قوله تعالى: {واسأل القرية} يحتمل ثلاثة أوجهٍ:
أشهرها: أنه على حذف مضافٍ، أي: واسألْ أهل القرية، وأهل العِير، وهو مجازٌ شائعٌ، قاله ابن عطيِّة وغيره.
وقال أبو عليِّ الفارسي: ودافع جواز هذا في اللغةِ كدافعِ الضَّرورات، وجاحد المحسوسات، وهذا على خلافٍ في المسألةِ، هل الإضمار من باب المجازِ، أو غيره؟ المشهور أنه قسم منه، وعليه اكثر النَّاسِ.
قال أبو المعالي: قال بعض المتكلمين: «هذا من الحذف، وليس من المجاز إنَّما المجازُ لفظة استعيرت لغير ما هي له، قال: وحذف المضاف هو عينُ المجاز وعظمه، هذا مذهب سيبويه وغيره، وحكي أنَّه قول الجمهور» .
وقال ابن الخطيب: إن الإضمار، والمجاز [قسمان لا قسيمان] ، فهما متباينان.
الثاني: أنَّه مجاز، ولكنه من باب إطلاق اسم المحل على الحال للمجاورة كالرواية.
الثالث: أنَّه حقيقة لا مجاز فيه، ولذلك قال أبو بكر الأنباري:
المعنى: واسْألِ القرية والعير؛ فإنَّها تجيبك، وتذكر لك صحَّة ما ذكرنا؛ لأنك من أكابر الأنبياء، فيجوز أن ينطق الله لك الجماد، والبهائم.
وقيل: إنَّ الشيء إذا ظهر ظهوراً تامًّا كاملاً فقد يقال فيه: سل السماءَ والأرض وجميع الأشياء عنه، والمراد أنه بلغ في الظُّهور إلى الغاية حتَّى لم يبق للشكِّ فيه مجالٌ، والمراد من القرية: مصر، وقيل: قرية على باب مصر قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: هي قرية من قرى مصر، كانوا ارتحلوا منها.
وأما قوله: {والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي القافلة التي كُنَّا فيها.
قال المفسِّرون: كان صحبهم قوم من الكنعانيين من جيران يعقوب.
قال ابنُ إسحاق: عرف الأخ المحتبس بمصر أنَّ إخوته أهل تهمة عند أبيهم لمَا كانوا صنعوا في أمر يوسف عليه السلام، فأمرهم أن يقولوا هذا لأبيهم.
ثم إنَّهم لما بالغوا في التَّأكيد، والتقرير قالوا: {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} يعنى سواء نسبتنا إلى التُّهمة، أم لم تنسب؛ فنحن صادقون، وليس غرضهم أن يثبتوا صدق أنفسهم؛ لأنَّ هذا يجري جرى إثبات الشيء بنفسه، بل الإنسان، إذا قدم ذكر الدَّليل القاطع على صحَّة الشيء، فقد يقول بعده: وأنَّا صادق في ذلك، يعني فتأمل فيما ذكرته من الدَّلائل، والبينات.