قال القرطبي:«دلَّت هذه الآية على أنَّ كل من كان على حقٍّ، وعلم أنه قد يظن به أنَّه على [خلاف] ما هو عليه، أو يتوهم أن يرفع التُّهمة، وكلَّ ريبةٍ عن نفسه ويصرِّح بالحق الذي هو عليه، حتَّى لا يبقى متكلِّم، وقد فعل هذا نبينا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ بقوله للرجلين اللَّذين مرًّا، وهو قد خرج مع صفيَّة بن حييّ من المسجد:» على رسلكما، إنّما هي صفيّة بن حييّ «؛ فقالا: سبحان الله! وكبر علهيما، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» إنَّ الشَّيطَان يَجْرِي مِنَ آدم مُجْرَى الدَّم، وإِنِّي خَشِيتُ أن يَقْذِفَ في قُلوبِكُمَا شرًّا، أو قال: شَيْئاً «متفرقٌ عليه.
فإن قيل: كيف استجاز يوسف أن يعمل هذا بأبيه، ولم يخبره بمكانه، ويحبس أخاه مع علمه بشدّة وجد أبيه عليه، ففيه معنى العقوق، وقطيعة الرَّجمِ، وقلَّة الشَّفقةِ؟ .
فالجواب: أنَّه فعل ذلك بأمر الله عزَّ وجلَّ أمره به ليزيد في بلاءِ يعقوب، فيضاعف له الأجر، ويلحقه في الدَّرجةِ بآبائه الماضين.
وقيل: إنَّه لم يظهر نفسه لإخوته؛ لأنَّه لم يأمن أن يدبِّروا في أمره تدبيراً، فيكتموه عن أبيه، والأول أصح.