وتنسب الفعل إليه، لأنَّ التثريب لا يثرب إلا مجازاً، كقولهم:«شِعرٌ شاعرٌ» بخلاف: «لا عَاصِمَ يَعْصِم» فإن نسبة الفعل إلى العاصم حقيقة، فهناك حذف شيءٍ واحد من غير مجاز، وهنا حذف شيئين مع مجاز.
والتَّثْرِيبُ: العَتبُ، والتَّأنيب، وعبَّر بعضهم عنه بالتَّعيير من عيَّرته بكذا إذا عتَبْته وفي الحديث:«إذَا زَنَتْ أمَةٌ أحدكُم، فليَجْلدْهَا، ولا يُثرِّبْ» أي: لا يعيِّر، وأصله من الثَّرب، وهو ما تغشى الكرش من الشَّحم، ومعناه: إزالةٌ الثَّرب، كما أنَّ التَّجليد إزالةٌ الجلدِ، فإذا قلت: ثرَّبتُ فلاناً، فكأنَّنك لشدَّة عتبك له أزلت ثربه، فضرب مثلاً في تزيق الأعراض.
وقال الرَّاغب:«ولا يُعْرَفُ من لفظه إلَاّ قولهم: الثَّرْبُ، وهو شحمةٌ رقيقةٌ وقوله تعالى:{ياأهل يَثْرِبَ}[الأحزاب: ١٣] يصحُّ أن يكون أصله من ذها الباب، والياء فيه مزيدية» .
فصل
قال المفسريون: التَّثْريبُ: التَّوبيخُ، قال عطاءٌ الخراسانيُّ: طلب الحوائج إلى الشَّباب أسهل منها إلى الشيُّوخ ألا ترى إلى قول يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ «لا تَثْريب عَليْكُمْ» ، وقول يعقوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي}[يوسف: ٩٨] .
واعلم أنَّا إذا جعلنا:«اليَوْمَ» متعلِّقاً ب: «لا تَثْريبَ» أي: لا أثرِّبُكمُ اليوم وهو اليوم الذي مظنته التَّثريب، فما ظنُّكم بسائر الأيَّام، ويحتمل أنِّي حكمت في هذا اليوم ألاّ تثريب مطلقاً؛ لأنَّ قوله:«لا تَثْرِيبَ» نفي للماهيَّة، ونفي الماهيَّة يقتضي نفي أفراد جميع الماهية، فكان ذلك مفيداً للنَّفي المتناول لكلِّ الأوقات والأحوال.
ثمَّ إنَّه أزال عنهم ملامة الدُّنيا طلب من اللهِ أن يزيل عنهم عقاب الآخرةِ، فدعا لهم بقوله:{يَغْفِرُ الله لَكُمْ} .
وإن قلنا:«اليَوْمَ» متعلق بقوله: {يَغْفِرُ الله لَكُمْ} كأنه لما نفى الذَّنب عنهم مطلقاً بشَّرهم بأنَّ الله يغفر ذنبهم في ذلك اليوم، وذلك أنَّهم لما خجلوان واعترفوا وتابوا، فالله تعالى قَبِلَ توتبهم، وغفر ذنوبهم؛ فلذلك قال:{اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ} .
«روي أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أخذ بعِضَادتي الكعبة يوم الفتحِ وقال لقريش: ما تَرونَ؟
قالوا: خيراً أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، وقد قدرتَ، قال: أقُولُ ما قَالَ أخي يوسف:» لَا تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ «» .