أنَّك لست فاعلاً؟ فيقال لهم: إذا كان تحصيل الإيمان، وابقاؤه من العبد لا من الله، فكيف يطلب ذلك من الله تعالى.
قال الجبائي والكعبي: معناه: أطلب اللُّطف في الإقامة على الإسلام إلى أن أموت عليه، وهذا الجواب ضعيفٌ، لأن السؤال وقع عن الإسلام، فحمله على اللطف عدول عن الظاهر، وأيضاً: فكُلّ ما كان في مقدور الله من الإلطاف، فقد فعله، كان طلبه من الله محالاً.
فإن قيل: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعلمون أنَّهم يموتون لا محالة على الإسلام، فكان هذا الدُّعاء طلباً لتحصيل الحاصل، وأنَّه لا يجوز.
فالجواب: أن كمال حال المسلم: أن يستسلم لحكم الله على وجه يستقرُّ قلبه على ذلك الإسلام، ويرضى بقضاء الله، وتطمئن النفس، وينشرح الصدر في هذا الباب، وهذه حالةٌ زائدة عن الإسلام الذي هو ضدُّ الكفر، والمطلوب هاهنا هو الإسلام بهذا المعنى.
فإن قيل: إن يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ كان من أكابر الأنبياء، والصَّلاح أول درجات المؤمنين؛ فالواصل إلى الغية كيف يليق به أن يطلب البداية؟ .
قال ابن عبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وغيره: يعني ب «آبَائهِ» : إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والمعنى: ألحقني بهم في ثوابهم، ودرجاتهم، ومراتبهم.
«روي عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، عن جبريل عليه السلام عن ربِّ العزَّة قال:» مَنْ شغلهُ ذِكرِي عَن مَسْألتِي أعْطَيتهُ أفضلَ ما أعْطِي السَّائلين «.
فلهذا من أراد الدعاء، لا بُدَّ وأن يقدِّم عليه الثَّناء على الله تعالى فههنا يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لمَّا أراد الدعاء قدَّم عليه الثناء، فقال {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث فَاطِرَ السماوات والأرض أَنتَ وَلِيِّي فِي الدنيا والآخرة} ثم دعا عقبه، فقال:{تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} وكذلك فعل إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فقال: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء: ٧٨] إلى قوله: {يَوْمَ الدين}[الشعرا: ٨٢] فهذا ثناءٌ ثمَّ قال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً}[الشعراء: ٨٣] إلى آخر كلامه.