للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

دوامهم فيه؛ وقوله: {وَلَا تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ} [المائدة: ٢١] صريح في المَنْعِ من الرجوع عن بيت المقدس، وأيضاً فإنه تعالى، بعد الأمر بدخول الأرض المقدّسة، قال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض} [المائدة: ٢٦] .

فلما بيّن تعالى أنهم ممنوعون من دخولها هذه المُدّة، فعند زوال تلك المُدْة يجب أن يلزمهم دخولها، وإذا كان كذلك لم يجز أ، يكون المراد من مِصْر سواها.

فإن قيل: هذه الوجوه ضعيفة.

أما الأول: فلأن قوله: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَة} [المائدة: ٢١] أمر ندب فلعلّهم ندبوا إلى دخول الأرض المقدسة، مع أنهم ما منعوا من دخول مصر، وأما قوله: {كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} فذلك يدل على دوام تلك الأرض المقدسة.

وأما قوله: {وَلَا تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ} فلا نسلّم أنّ معناه: ولا ترجعوا إلى مصر، بل يحتمل أن يكون معناه: ولا تعصوا فيما أمرتكم؛ لأن العرب تقول لمن عصى الأمر: أرتَدّ على عقبة، فالمراد من هذا العصيان كونهم أنكروا أن يكون دخول الأرض المقدسة أولى.

ويحتمل أن يكون ذلك النهي مخصوصاً بِوَقْتٍ معين.

والجوابك أنه ثبت في الأصول أن ظاهر الأمر للوجوب، وإن سلّمنا أنه للندب، ولكن الإذن في تركه يكون إذناً في ترك المندوب، وهو لا يليق بالأنبياء.

وأما قوله: لا نسلّم أن المراد من قوله: «ولا ترتدوا» : ولا ترجعوا.

قلنا: الدليل عليه أن أمره بدخول الأرض المقدّسةن ثم قوله بعده: {وَلَا تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ} يتبادر إلى الفَهْم أن النهي يرجع إلى ما تعلّق به ذلك الأمر.

وقوله: «تخصيص النهي بوقت معين» .

قلنا: التخصيص خلاف الظاهر.

قال أبو مسلم الأصفهاني: يجوز أن يكون المراد «مِصْر فرعون» لوجهين:

الأول: من قرأ «مِصْرَ» بغير تنوين كان عَلَماً للبلد المُعَيّن، وليس في العالم بلدة ملقبة بهذا اللقب سواها، فحمل اللفظ عليه، ولأن اللفظ إذا دَارَ بين كونه علماً، وبين كونه صفة فحمله على العلم أولى.

ومن قرأه منوناً فإما أن تجعله اسم عَلَم، وتقول: إنما نون لسكون وسطه، فيكون القريب أيضاً ما تقدم، وإن جعلناه اسم جنس فقوله: {اهبطوا مِصْراً} يقتضي التخيير، كما إذا قال: أَعْتِقْ رَقَبَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>