قوله:«بقوة» في محل نَصْبٍ على الحال، وفي صاحبها قولان:
أحدهما: إنه فاعل «خذوا» وتكون حالاً مقدرة، والمعنى: خذوا الذي آتيناكموه حال كونكم عازمين على الجدّ في العمل به.
والثاني: أنه ذلك العائد المحذوف، والتقدير: خذوا الذي آتيناكموه في حال كونه مشدداً فيه أي: في العمل به، والاجتهاد في معرفته.
قوله:«ما فيه» الضمير يعود على «ما آتيناكم» أي: أذكروا ما في الكتاب، واحفظوه وادرسوه، ولا تغفلوا عنه، ولا يحمل على الذكر الذي هو ضدّ النسيان؛ لأنه ليس من فعل العبد، فلا يجوز الأمر به، وفي حرف «أُبَيِّ»«واَّكِرُوا» بذال مشددة وكسر الكاف، وفي حرف عبد الله «وتَذَكَّروا مَا فِيهِ»[ومعناه] : اتّعظوا به.
قوله:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي: لكي تتقوا فتنجوا من الهلاك في الدنيا، والعذاب في العقبى.
قوله:{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} التولّي تفعل من الوَلْي، وأصله: الإعراض والإدبار عن الشَّيء بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأوامر والمعتقدات اتساعاً ومجازاً وذلك إشارة إلى ما تقدم من رفع الطُّور، وايتاء التوراة.
قال القَفَّال رَحِمَهُ اللهُ:«إنهم بعد قبول التوراة، ورفع الطور تولّوا عن التَّوْراة بأمور كثيرة، فحرّفوا التوراة وتركوا العمل بها، وقتلوا الأنبياء، وكفروا بها وعصوا أمرهم ولعلّ فيها اختصّ به بعضهم دون البعض، ومنها ما علمه أوائلهم، ومنها ما فعله متأخروهم، ولم يزالوا في التِّيهِ مع مشاهدتهم الأعاجيب ليلاً ونهاراً يخالفون موسى، ويعرضون عنه، ويلقونه بكلّ أذى، ويجاهرون بالمعاصي حتى لقد خسف ببعضهم، وأحرقت النار بعضهم، وعوقبوا بالطاعون، وكلّ هذا مذكور في تراجم التوراة، ثم فعل متأخروهم ما لا خَفَاءَ به من تخريب» بيت المقدس «، وكفروا بالمسيح وهمّوا بقتله. والقرآن وإن لم يكن فيه بَيَانُ ما تولوا به عن التوراة، فالجملة معروفة من إخبار الله تعالى عن عِنَادِ أسلافهم، فلا عَجَبَ في إنكارهم ما جاء به محمد عليه الصَّلاة والسَّلام من الكتاب والنبوة» .
قوله:{فَلَوْلَا فَضْلُ الله}«لولا» هذه حرف امتناع لوجود، والظَّاهر أنها بسيطة وقال أبو البَقَاءِ: هي مركّبة من «لو» ، و «لا» و «لو» قبل التركيب يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، و «لا» للنفي، والامتناع نفي في المعنى، وقد دخل النفي ب «لا» على أحد امتناعي «لو» والامتناع نفي في المعنى، والنَّفي إذا دخل على النَّفي صار إيجاباً، فمن [ثمَّ] صار معنى «لولا» هذه يمتنع بها الشيء لوجود غيره وهذا تكلْف ما لا فائدة فيه،