لما توعد مكذِّبي الرسل بقوله:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} الآية أتبعه بما يؤكد الزجر، وهو قوله:{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَاّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} في الهلاك والعذاب، أي: أجلٌ مضروبٌ، لا يتقدم العذاب عليه، ولا يتأخر عنه، والمراد بهذا الهلاك: عذاب الاستئصال، وقيل: الموتُ.
قال القاضي: والأول أقرب؛ لأنه أبلغ في الزَّجر، فبيَّن تعالى أن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغترَّ به العاقل. وقيل: المراد بالهلاك مجموع الأمرين.
قوله:{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا}«مِنْ أمةٍ» فاعل «تَسْبِقُ» ، و «مِنْ» مزيدة للتأكيد؛ كقولك: ما جَاءنِي من أحَدٍ.
قال الواحدي:«وقيل: ليست بزائدةٍ؛ لأنَّها تفيد التبعيض، أي: هذا الحكم لم يحصل في بعض من أبعاض هذه الحقيقة، فيكون ذلك في إفادة عموم النَّفي، آكد» .
قال الزمخشري:«معنى:» سَبَقَ «: إذا كان واقعاً على شخصٍ، كان معناه أنَّه [جاز] ، وخلف؛ كقولك: سَبَقَ زيدٌ عمْراً، أي: جَاوزَهُ وخَلفهُ وراءهُ، ومعناه: أنه قصَّر عنه وما بلغه، وإذا كان واقعاً على زمانٍ، كان بالعكس في ذلك، كقولك: سَبٌ فُلانٌ عام كذا، معناه: أنه مضى قبل إتيانه، ولم يبلغه، فقوله:{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} معناه: أنه لا يحصل الأجل قبل ذلك الوقت ولا بعده، وإنَّما يحصل الأجل قبل ذلك الوقت ولا بعده، وإنَّما يحصل في ذلك الوقت بعينه» .
وحمل على لفظ «أمََّةٍ» في قوله: «أجَلهَا» ، فأفرد وأنَّث، وعلى معناها في قوله:{وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} ، فجمع وذكَّر، وحذف متعلق «يَسْتَأخِرُون» وتقديره: عنه؛ للدلالة عليه، ولوقوعه فاصلاً.
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ كل من ما أو قتل، فإنما مات بأجله، وأنَّ من قال: يجوز أن يموت قبل أجله مخطىء.
قوله:«وقَالُوا» ، يعنى مشركي مكَّة {يا أيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} ، أي: القرآن، وأراد به محمداً صلى الله وعليه وسلم.
والعامة على:«نُزِّلَ» مشدَّداً، مبنيًّا للمفعول، وقرأ زيد بن علي:«نَزلَ» ، مخفََّاً مبنيًّا للفاعل.