وصنف انتهكوا الحرمة فلما أبوا قَبُولَ النصح قال الناهون: والله لا ننساكم فقسموا القرية بجدار، ومكثوا على ذلك سنين، فلعنهم داود عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ وغضب الله عَزَّ وَجَلَّ عليهم لإصرارهم على المعصية، فخرج النَّاهون ذات يوم من بابهم، والمجرمون لم يفتحوا بابهم، ولم يخرج منهم أحد فلما أبطئوا تَسَوروا عليهم الحائط، فإذا هم جميعاً قدرة خاسئين.
فإن قيل: إذا كانوا قد نهوا عن الاصْطِيَاد يوم السَّبت، فما الحكمة في أن أكثر الحيتان يوم السَّبت دون سائر الأيام؟
فالجواب: أما على مذهب أهل السُّنة فإرادة الإضلال جائزة من لله تعالى.
وأما على مذهب المعتزلة، فالتشديد في التكاليف حسن لغرض ازياد الثواب.
و «قِردَةً خَاسِئِيْنَ» يجوز فيه أربعة أوجه:
أحدها: أن يكونا خبرين، قال الزَّمخشري: «أي: كونوا جامعين بين القِردَيّة والخسوء» .
وهذا التقدير منه بناء على أن الخبر لا يتعدّد، فلذلك قدرهما بمعنى خبر واحد من باب: «هذا حُلْو حَامض» وقد تقدّم القول فيه.
والثَاني: إن يكون «خاسئين» نعتاً ل «قردة» قاله أبو البقاء. وفيه نظر من حيث إنّ القردة غير عقلاء، وهذا جمع العقلاء.
فإن قيل: المخاطبون عقلاء؟ فالجواب: أنّ ذلك لا يفيد؛ لأن التقدير عندكم حينئذ: كونوا مثل قدرة من صفتهم الخُسوء، ولا تعلّق للمخاطبين بذلك، إلا أنه يمكن أن يقال: إنهم مشبَّهُون بالعقلاء كقوله: {لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: ٤] و {أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [فصلت: ١١] .
والثالث: أن يكون حالاً من اسم «كونوا» ، والعامل فيه «كونوا» ، وهذا عند من يجيز ل «كان» أن تعمل في الظروف [والأحوال] وفيه خلاف سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى عند قوله: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} [يونس: ٢] .
الرابع: وهو الأجود أن يكون حالاً من الضمير المُسْتكنّ في «قردة» ؛ لأنه في معنى المشتق أي: كونوا ممسوخين في هذه الحال.
وجمع «فِعْل» على «فِعَلَة» قليل لا يَنْقَاس.
ومادة «القرد» تدلّ على اللُّصوق والسكون، تقول: قَرَد بمكان كذا: لصق به وسكن، ومنه: الصُّوف «الْقَرَد» أي: المتداخل، ومنه أيضاً: «القُرَادُ» هذا الحيوان المعروف ويقال: «خسأته فخَسَاً، فالمتعدي والقاصر سواء نحو: زاد وغاض وقيل: خسأته فخسىء وانسخاً، والمصدر» الخسوء «و» الْخَسْء «.