وقال الكسائي:» خسأت الرجل خسأ، وخسأ هو خسوءاً «، ففرق بين المصدرين.
والخسوء: الذّلة والصَّغار والطرد والبعد، ومنه: خسأت الكلب قال مجاهد وقتادة والربيع: وهي لغة» كنانة «.
وقال أبو روق: يعني خرساً لقوله تعالى: {اخسئوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون: ١٠٨] والمراد من هذا الأمر سرعة التكوين لا نفس الأمر. روي عن مجاهد رَضِيَ اللهُ عَنْه أن الله تعالى مسخ قلوبهم يعني: بالطَّبع والخَتْم، إلا أنه مَسَخَ صورهم لقوله {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً}[الجمعة: ٥] وهذا مَجَاز ظاهر [مشهور] .
فصل في المقصود من ذكر هذه القصة
والمقصود من ذكر هذه القصّة أمران:
الأول: إظهار معجزة سيدنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأنه كالخطاب لليهود الذي كانوا في زمانه، أخبرهم عليه الصَّلاة والسَّلام عن هذه الواقعة مع أنه كان أمياً لم يقرأ ولم يكتب، ولم يخالط القوم دلّ على أنه إنما عرفه بالوحي.
والثاني: أنه تعالى لما أخبرهم بما عاجل به أصحاب السَبت، فكأنه يقول لهم: لا تتمردوا ولاتغتروا بالإمهالن فينزل بكم ما نزل بهم، ونظيره قوله تعالى {يَا أَيُّهَآ الذين أُوتُواْ الكتاب آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ}[النساء: ٤٧] الآية.
فإن قيل: إنهم بعد أن صاروا قدرةً لا يبقى لهم فَهْم، ولا عَقْل، ولا علم، فلا يعلمون ما نزل بهم من العذاب، ووجود القرديّة غير مؤلم.
فالجواب: لم لا يجوز أن يقال: إنّ الذي كان إنساناً عاقلاً فاهماً كان ثابتاً لم يتغير، وإنما تغيرت الصورة فلم يقدر على النّطق والأفعال الإنسانية، لكنها كانت تعرف ما نالها من تغير الخِلْقة بسبب المعصية، فكانت في نهاية الخوف والخَجَل، وربما كانت متألمة بسبب تغير تلك الأعضاء؟ .
فإن قيل: أولئك القردة بقوا أو هلكوا، فإن قوا فالقردة الموجودون في زماننا هل يجوز أن يكونوا من نَسْلِهمْ أم لا؟
فالجواب: الكل جائز، إلاّ أن الرواية عن ابن عباس أنهم مكثوا ثلاثة أيام، ثم هلكوا ولم يأكلوا ولم يشربوا، ولم ينسلوا.