تَرَى الأكْمَ فِيهَا سُجَّداً للحَوافرِ
فالمراد بهذا السجود التواضعُ.
واعلم أن انتقاص الظلِّ بعد كماله إلى غاية محدودة ثمَّ ازدياده بعد غاية نقصانه، وتنقله من جهة إلى أخرى على وفقِ تدبير الله، وتقديره بحسب الاختلافاتِ اليوميَّة الواقعة في شرق الأرض، وغربها، وبحسب الاختلافات الواقعة في طول السنة على وجه مخصوصٍ، وترتيب معيِّنٍ لا يكون إلا لكونها منقادة لله تعالى خاضعة لتقديره وتدبيره؛ فكان السجود عبارة عن تلك الحال.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: اختلاف هذه الظلال معلَّلٌ باختلاف سير الشمس لا لأجل تقدير الله؟ .
فالجوابُ: أنَّا وإن سلمنا ذلك، فمحرك الشمس بالحركة الخاصَّة ليس إلَاّ الله - تعالى - فدل على أنَّ اختلاف أحوال هذه الظلال لم يقع إلا بتدبير الله تعالى، وقيل: هذا سجود حقيقة؛ لأن هذه الظلال واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد، قال أبو العلاء المعرِّي، في صفة وادٍ: [الطويل]
٣٣١٧ - بِخَرْقٍ يُطِيلُ الجُنْحَ فِيهِ سُجودَهُ ... وللأرْضِ زِيّ الرَّاهبِ المُتعبِّدِ
فلمّا كان شكل الأظلال يشبه شكل الساجدين، أطلق عليه السجود، وكان الحسنُ يقول: أما ظلُّلك، فسجد لربِّك، وأما أنت، فلا تسجد له؛ بئسما صنعت.
وعن مجاهدٍ: ظلُّ الكافر يصلِّي، وهو لا يصلِّي، وقيل: ظلُّ كلِّ شيءٍ يسجد لله، سواء كان ذلك ساجداً لله، أم لا.
قوله: {وَهُمْ دَاخِرُونَ} في هذه الجملة ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها حال من الهاء في «ظِلالهُ» . قال الزمخشريُّ: «لأنه في معنى الجمع، وهو ما خلق الله من كلِّ شيءٍ له ظل، وجمع بالواو والنون؛ لأنَّ الدُّخورَ من أوصاف العقلاء، أو لأنَّ في جملة ذلك من يعقل فغلب» .
وقد ردَّ أبو حيَّان هذا بأن الجمهور لا يجيزون مجيء الحالِ من المضاف إليه، وهو نظير جَاءنِي غُلامُ هِندٍ ضَاحِكَةً، قال: «ومن أجاز مجيئها منه إذا كان المضاف جزءاً، أو كالجزءِ جوز الحالية منه هنا؛ لأنَّ الظل كالجزء؛ إذ هو ناشئ عنه» .
الثاني: أنها حال من الضمير المستتر في «سُجَّدًا» فهي حال متداخلة.
الثالث: أنها حال من «ظِلالهُ» فينتصب عنه حالان، ثم لك في هذه الواو اعتباران: