{أَلَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} ؛ لأنهم بلغوا في الاستنكاف من البنت إلى أعظم الغايات.
أولها: أنه يُسوِّدُّ وجهه.
ثانيها: أنَّه يختفي عن القوم من شدَّة نفرته عنها.
وثالثها: يقدم على قتلها مع أنَّ الولد محبوبٌ بالطبع، وذلك يدلُّ على أنَّ النفرة من البنت تبلغ مبلغاً لا مزيد عليه، فالشيء الذي يبلغ الاستنكاف عنه إلى هذا الحدِّ العظيم، كيف يليقُ بالعاقل أن ينسبه لإله العالم القديم المقدَّس العالي عن مشابهة جميع المخلوقات؟ .
قال القرطبيُّ: ثبت في صحيح مسلم أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «من ابتُلِي من البَناتِ بشيءٍ، فأحْسنَ إليْهِنَّ كُنَّ لهُ سِتْراً من النَّارِ» .
وعن أنس بن مالكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «مَنْ عَالَ جَارِيتيْنِ حتَّى تَبلُغَا، جَاء يَوْمَ القِيامةِ أنَا وهُوَ كهَاتيْن، وضمَّ أصَابعهُ» أخرجهما مسلم.
فصل
قال القاضي:«دلَّت هذه الآية على بطلانِ الجبر؛ لأنَّهم يضيفون إلى الله - تعالى - من الظُّلمِ، والفواحش ما إذا أضيف إلى أحدهم أجهد نفسه في البراءة منه، والتَّباعد عنه، فحكمهم في ذلك مشابهٌ لحكم هؤلاء المشركين، بل أعظم؛ لأنَّ إضافة البنات إلى الله إضافة قبح واحد، وذلك أسهل من إضافة كل القبائح والفواحش إلى الله - تعالى -» .
وجوابه: لما ثبت بالدَّليل استحالة الصاحبة والولد على الله أردفه الله - تعالى - بذكر هذا الوجه الإقناعي، وإلا فليس كل ما قبح في العرف قبح من الله - تعالى - ألا ترى أنَّه لو زيَّن رجلٌ إماءه، وعبيده، وبالغ في تحسين صورهم، ثمَّ بالغ في تقوية الشَّهوةِ فيهم