للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وفيهن، ثم جمع بين الكل، وأزال الحائل، والمانع، فإنَّ هذا بالاتِّفاقِ حسن من الله - تعالى - وقبيح من كلِّ الخلق، فعلمنا أنَّ التعويل بالوجوه المبنية على العرف إنَّما تحسن إذا كانت مسبوقة بالدَّلائل القطعيَّة اليقينيَّة، وقد ثبت بالبراهين القطعيَّة امتناع الولد على الله، فلا جرم حسنت تقويتها بهذه الوجوه الإقناعية.

وأمَّا أفعال العباد فقد ثبت بالدَّلائل القطعيَّة أنَّ خالقها هو الله سبحانه وتعالى فكيف يمكن إلحاق أحد البابين بالآخر.

ثم قال: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالآخرة مَثَلُ السوء} والمثلُ السُّوءِ: عبارة عن الصِّفةِ السوء، وهي احتياجهم إلى الولدِ، وكراهيتهم الإناث خوفاً من الفقر والعار {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} ، أي: الصِّفة العالية المقدسة، وهي كونه تعالى منزّهاً عن الولد.

قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: مثل السُّوءِ: النَّار، والمثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله {وَهُوَ العزيز الحكيم} .

فإن قيل: كيف جاء {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} مع قوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} [النحل: ٧٤] .

فالجواب: أنَّ المثل الذي يضربهُ الله حقٌّ وصدقٌ، والذي يذكره غيره باطل.

قال القرطبي في الجواب: «إن قوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} ، أي: الأمثال التي توجب الأشباه، والنَّقائص، أي: لا تضربوا لله مثلاً يقتضي نقصاً وتشبهاً بالخلق، والمثل الأعلى: وصفه بما لا شبيه له ولا نظير» .

قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ} الآية لما حكى عن القوم عئم كفرهم، وقبيح قولهم، بين أنه يمهل هؤلاء الكفار، ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهاراً للفضل، والرحمة، والكرمِ.

قالت المعتزلة: هذه الآية دالَّة على أنَّ الظلم والمعاصي ليست فعلاً لله تعالى، بل تكون أفعالاً للعباد؛ لأنه - تعالى - أضاف ظلم العباد إليهم، فقال - عزَّ وجلَّ - {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ} ، وأيضاً: لو كان خلقاً لله لكانت مؤاخذتهم بها ظلماً من الله، ولما منع الله - تعالى - العباد من الظلم، فبأن يكون منزّهاً عن الظلم أولى؛ ولأنَّ قوه تعالى: «بِظُلمهِمْ» الباء فيه تدلُّ على العليَّة، كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} [الحشر: ٤] . وقد تقدَّم الجواب مراراً.

فصل

ظاهر الآية يدلُّ على أنَّ إقدام الناس على الظُّلم؛ يوجب إهلاك جميع الدَّواب، وذلك غير جائزٍ؛ لأن الدَّابَّة لمَّا لم يصدر عنها ذنبٌ، فكيف يجوز إهلاكها بسبب ظلم النَّاس؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>