للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال القرطبي: الإلهام هو ما يخلقه الله - تعالى - في القلب ابتداء من غير سبب ظاهرٍ؛ قال - تعالى -: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٧، ٨] ومن غير ذلك البهائم وما يخلقه الله فيها من إدراك منافعها، واجتناب مضارِّها، وتدبير معاشها، وقد أخبر الله - تعالى - عن الأرض فقال:

{تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: ٤، ٥] .

واعلم أن الوحي قد ورد في حقِّ الأنبياء؛ قال - تعالى -: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلَاّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} [الشورى: ٥١] ، وفي حقِّ الأولياء؛ قال - تعالى -: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} [المائدة: ١١١] وبمعنى الإلهام في حقِّ بقية البشر؛ قال - تعالى -: {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى} [القصص: ٧] وفي حقِّ سائر الحيوانات بمعنى خاصّ.

قال الزجاج: يجوز أن يقال: سمِّي هذا الحيوان نحلاً؛ لأن الله - تعالى - نحل النَّاس العسل الذي يخرج من بطونها.

وقال غيره: النَّحل يذكَّر ويؤنث على قاعدة أسماء الأجناس، فالتأنيث فيها لغة الحجاز، ولذلك أنثها الله - تعالى - وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلَاّ الهاء.

وقرأ ابن وثَّاب: «النَّحَل» بفتح الحاء، فيحتمل أن يكون لغة مستقلة، وأن يكون إتباعاً.

قوله «أن اتَّخذِي» يجوز أن تكون مفسِّرة، وأن تكون مصدريَّة.

واستشكل بعضهم كونها مفسِّرة، قال: لأنَّ الوحي هنا ليس فيه معنى القول؛ إذ هو الإلهام لا قول فيه.

وفيه نظر؛ لأن القول لكل شيء بحسبه.

و «مِنَ الجِبَالِ» «من» فيه للتبعيض؛ إذ لا يتهيَّأ لها ذلك في كل جبلٍ ولا شجر، وتقدَّم القول في «يَعْرِشُون» ومن قرأ بالكسر والضم في الأعراف.

والمراد ب «ممَّا يَعْرِشُونَ» ما يبنون لها من الأماكن التي تأوي إليها، وقرئ: «بِيُوتاً» بكسر الباء.

فصل

اعلم أن النَّحل نوعان:

أحدهما: ما يسكن الجبال والغياض ولا يتعهَّدها أحد من النَّاس.

والثاني: ما يسكن البيوت ويتعهَّدها الناس، فالأول هو المراد بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر} .

<<  <  ج: ص:  >  >>