للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلَاّ آتِي الرحمن عَبْداً} [مريم: ٩٣] وهو مملوك لا يقدر على شيء، والمراد بقوله: {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً} : عابد الصَّنم؛ لأن الله - تعالى - رزقه المال، فهو ينفقُ منه على نفسه وعلى أتباعه سرًّا وجهراً فهما لا يتساويان في بديهة العقل، بل صريح العقل شاهدٌ بأن عابد الصَّنم أفضل من الصَّنم، فكيف يجوز الحكم بأنه مساوٍ لربِّ العالمين في المعبوديَّة؟ .

وقيل: المراد بالعبد: المملوك عبد معيَّن، قيل: أبو جهل، وب {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً} أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -.

وقيل: عامٌّ في كل عبد بهذه الصفة، وفي كل حرٍّ بهذه الصفة.

فصل

دلَّت هذه الآية على أن العبد لا يملك شيئاً.

فإن قيل: دلَّت الآية على أنَّ عبداً من العبيد لا يقدر على شيءٍ، فلم قلتم: إن كل عبد كذلك؟ .

فالجواب: أنه ثبت في أصول الفقه: أن الحكم المذكور عقيب الوصف المناسب يدلُّ على كون ذلك الوصف علَّة لذلك الحكم، وكونه عبداً وصفٌ مشعرٌ بالذلِّ والمقهورية وقوله: {لَا يَقْدِرُ على شَيْءٍ} حكم مذكور عقيبه، وهذا يقتضي أنَّ العلَّة لعدم القدرة على شيءٍ، هو كونه عبداً، وأيضاً قال بعده: {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً} [فميز هذا القسم الثاني عن القسم الأول، وهو العبد بهذه الصفة، وهو أنه رزقه رزقاً حسناً] فوجب ألا يحصل هذا الوصف للعبد، حتَّى يحصل الامتيازُ بين الثاني وبين الأوَّل، ولو ملك العبد، لكان الله قد آتاهُ رزقاً حسناً؛ لن الملك الحلال رزق حسن.

ثم اختلفوا؛ فروي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وغيره التشدد في ذلك، حتى قال: لا يملك الطَّلاق أيضاً.

وأكثر الفقهاء على أنَّه يملك الطلاق، واختلفوا في أنَّ المالك إذا ملكه شيئاً، هل يملكه ام لا؟ وظاهر الآية ينفيه.

فإن قيل: لم قال: {عَبْداً مَّمْلُوكاً لَاّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} وكل عبدٍ فهو مملوك وغير قادر على التصرُّف؟ .

فالجواب: ذكر المملوك ليحصل الامتياز بينه وبين الحرِّ؛ لأنَّ الحر قد يقال: إنه عبد الله، وأما قوله: {لَا يَقْدِرُ على شَيْءٍ} للتَّمييز بينه وبين المكاتب والعبد المأذون؛ لأنهما يقدران على التصرُّف.

قوله {الحمد لِلَّهِ} قال ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتَّوحيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>