وقيل: المعنى أنَّ الحمد كلّه لله، وليس شيءٌ من الحمد للأصنام؛ لأنها لا نعمة لها على أحدٍ.
وقوله عزَّ وجلَّ -: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ، أي: أنهم لا يعلمون أنَّ كل الحمد لي، وليس شيء منه للأصنام.
وقال القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال للرَّسُول - صلوات الله وسلامه عليه -: {قُلِ الحمد لِلَّهِ} [النمل: ٥٩] .
وقيل: هذا خطاب لمن رزقه الله رزقاً حسناً أن يقول: الحمد لله على أن ميَّزه في هذه القدرة على ذلك العبد الضعيف.
وقيل: لما ذكر هذا المثل مطابقاً للغرض كاشفاً عن المقصود، قال بعده: {الحمد لِلَّهِ} يعني: الحمد لله على قوَّة هذه الحجَّة وظهور هذه البيِّنة.
ثم قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ، أي: أنَّها مع غاية ظهورها ونهاية وضوحها، لا يعلمونها هؤلاء الجهَّال.
قوله - تعالى -: {وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ} الآية وهذا مثل ثانٍ لإبطالِ قول عبدة الأصنام؛ وتقريره: أنَّه لما تقرَّر في أوائل العقول أنَّ الأبكم العاجز لا يساوي في الفضل والشَّرف النَّاطق القادر الكامل مع استوائهما في البشرية فلأن يحكم بأنَّ الجماد لا يكون مساوياً لربِّ العالمين في المعبوديَّة أولى.
قال الواحدي: قال أبو زيد: الأبكم هو العَيِيُّ المفحم، وقد بكم بكماً وبكامةً وقال أيضاً: الأبكمُ: الأقطع اللسان، وهو الذي لا يحسن الكلام.
روى ثعلب عن ابن الأعرابي: الأبكم الذي لا يعقل. وقال الزجاج: الأبكم المطبق الذي لا يسمعُ ولا يبصر.
ثم قال: {لَاّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} إشارة إلى العجز التَّام والنُّقصان الكامل.
وقوله: {كَلٌّ على مَوْلاهُ} الكلُّ الثَّقيلُ، والكلُّ العيال، والجمع: كلُول، والكلُّ: من لا ولد لهُ ولا وَالِد، والكلُّ أيضاً: اليَتيمُ. سمِّي بذلك؛ لثقله على كافله؛ قال الشاعر: [الطويل]
٣٣٤٩ - أكُولٌ لمَالِ الكُلِّ قَبْلَ شبَابهِ ... إذَا كانَ عَظْمُ الكَلِّ غَيْرَ شَديدِ
قال أهل المعاني: «أصل الكلِّ من الغلط الذي هو نقيضُ الحدَّة، يقال كلَّ السِّكينُ: إذا غلظت شفرته فلم تقطع، وكلَّ اللسانُ: إذا غلظ فلم يقدر على الكلام، وكلَّ