فظاهر كلامه يدلُّ على أن بيت لبيد لا تقديم فيه، وليس كذلك؛ فإنه ظاهر في التقديم جدًّا.
الثاني: أنه مستثنى من جواب الشرط، أو من خبر المبتدأ المقدَّر، تقديره: لعليهم غضب من الاه إلا من أكره، ولذلك قدر الزمخشري جزاء الشَّرط قبل الاستثناء وهو استثناء متصل؛ لأنَّ الكفر يكون بالقول من غير اعتقاد كالمكره، وقد يكون - والعياذ بالله - باعتقاد، فاستثنى الصنف الأول.
{وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} جملة حاليَّة {إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ} في هذه الحالة، وهذا يدلُّ على أن محلَّ الإيمان القلب، والذي [محله] القلب إما الاعتقاد، وإما كلام النَّفس؛ فوجب أن يكون الإيمان عبارة: إما عن المعرفة، وإما عن التصديق بكلام النَّفس.
قوله تعالى:{ولكن مَّن شَرَحَ} الاستدراك واضح؛ لأن قوله:{إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ} قد يسبق الوهم إلى الاستثناء مطلقاً، فاستدرك هذا، وقوله:{وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} لا ينفي ذلك الوهم، و» مَنْ «إما شرطية أو موصولة، ولكن متى جعلت شرطية، فلا بدَّ من إضمار مبتدأ قبلها، لأنه لا يليها الجمل الشرطيَّة، قاله أبو حيَّان؛ ثم قال: ومثله: [الطويل]
وإنَّما لم تقع الشرطية بعد «لكِنْ» ؛ لأنَّ الاستدراك لا يقع في الشروط، هكذا قيل، وهو ممنوع.
وانتصب «صَدْراً» على أنه مفعول للشرح، والتقدير: ولكن من شرح بالكفر صدره، وحذف الضمير؛ لأنه لا يشكل بصدر غيره؛ إذ البشر لا يقدر على شرح صدر غيره، فهو نكرةٌ يراد بها المعرفة، والمراد بقوله:{مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} ، أي: فتحه ووسعه لقبُول الكفر.
فصل
قال ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: نزلت هذه الآية في عمَّار بن ياسر؛ وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسر وأمَّه سميَّة وصهيباً وبلالاً وخبَّاباً وسالماً فعذبوهم.
وأما سميَّة: فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ في قُبُلها بحربة، فقتلت وقتل زوجها، وهما أول قتيلين في الإسلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -.