وقال مجاهد: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأبو بكر، وخبَّاب، وصهيب، وبلال، وعمَّار، وسميَّة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم -.
أما الرَّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فمنعه أبو طالب، وأما أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فمنعه قومه، وأخذ الآخرون، وألبسوا الدروع الحديد، ثم أجلسوهم في الشمس، فبلغ منهم الجهد لحرِّ الحديد والشمس، وأتاهم أبو جهل يشتمهم ويشتم سميَّة، ثم طعنها في فرجها بحربة.
وقال آخرون: ما نالوا منهم غير بلال؛ فإنهم جعلوا يعذِّبونه، ويقول: أحَدٌ أحَدٌ، حتى ملوه فتركوه.
وقال خبَّاب: ولقد أوقدوا لي ناراً ما أطفأها إلا ودك ظهري، وقال مقاتل: نزلت في جبر مولى عامر الحضرمي، أكرهه سيِّده على الكفر، فكفر مكرهاً وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، ثم أسلم مولى جبر وحسن إسلامهما، وهاجر جبر مع سيِّده.
فصل
الإكراه الذي يجوز عنده التلفُّظ بكلمة الكفر: هو أن يعذِّب بعذابٍ لا طاقة له به؛ مثل: التَّخويف بالقتل؛ ومثل الضَّرب الشَّديد، والإتلافات القويَّة، وأجمعوا على أن عند ذكر كلمة الكفر يجب عليه أن يبرئ قلبه عن الرِّضا، وأن يقتصر على التَّعريضات؛ مثل أن يقول: إن محمداً كذَّاب، ويعني عند الكفار أو يعني به محمَّداً آخر، أو يذكره على نيَّة الاستفهام بمعنى الإنكار، وهنا بحثان:
الأول: أنه إذا أعجله من أكرهه عن إحضار هذه النيَّة، أو لأنه لمَّا عظم خوفه زال عن قلبه ذكر هذه النيَّة كان ملوماً وعفو الله متوقَّع.
البحث الثاني: لو ضيَّق المكره الأمر عليه وشرح له أقسام التَّعريضات، وطلب منه أن يصرِّح بأنه ما أراد شيئاً منها، وما أراد إلَاّ ذلك المعنى - فههنا يتعيَّن إما التزام الكذب، وإما تعريض النفس للقتل، فمن الناس من قال: يباح له الكذب ههنا، ومنهم من قال: ليس له ذلك، وهو الذي اختاره القاضي؛ قال: لأن الكذب إنما يقبح لكونه كذباً، فوجب أن يقبح على كل حال، ولو جاز أن يخرج عن القبح لرعاية بعض المصالح، لم يمنع أن يفعل الله الكذب لرعاية بعض المصالح، وحينئذٍ لا يبقى وثوق بوعد الله ولا وعيده؛ لاحتمال أنَّه فعل ذلك الكذب لرعاية بعض المصالح التي لا يعرفها إلا الله - تعالى -.
فصل
أجمعوا على أنه لا يجب عليه التكلم بكلمة الكفر، ويدل عليه وجوه:
أحدها: أن بلالاً صبر على العذاب، وكان يقول: أحد أحد، ولم يقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ