قارة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتجاع كما يفعله سائر العرب، {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ} يحمل إليها من البرِّ والبحر، {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} جمع النِّعمة، وقيل: جمع نُعمى، مثل: بؤسَى وأبؤس فأذاقهم لباس الجوع، ابتلاهم الله بالجوع سبع سنين، وقطعت العرب عنهم المِيرة بأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، حتى جهدوا وأكلوا العظام المحرقة، والجيف، والكلاب الميَّتة والعلهز: وهو الوبر يعالج بالدَّم.
قال ابن الخطيب: والأقرب أنَّها غير مكَّة؛ لأنها ضربت مثلاً لمكَّة، ومثل مكَّة يكون غير مكَّة.
وهذا مثل أهل مكة؛ لأنَّهم كانوا في الطمأنينة والخصب، ثم أنعم الله عليهم بالنِّعمة العظيمة، وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فكفروا به، وبالغوا في إيذائه، فسلَّط الله عليهم البلاء، وعذَّبهم بالجوع سبع سنين، وأمَّا الخوف فكان يبعث إليهم السَّرايا فيغيرون عليهم. وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: أنه - تعالى - وصف القرية بصفات:
أحدها: كونها آمنة، والمراد: أهلها، لأنها مكان الأمن، ثم قال «مُطْمَئنَّةٌ» ، والاطمئنان هو الأمن، فلزم التَّكرار.
والجواب: أن قوله: «آمِنَ"ً» إشارة إلى الأمن، وقوله:«مُطْمَئِنَّةً» إشارة إلى الصحَّة؛ لأن هواء هذه البلد لمَّا كان ملائماً لأمزجتهم، فلذلك اطمأنُّوا واستقرُّوا فيه؛ قال العقلاء:[الرجز]
السؤال الثاني: الأنعم جمع قلَّة، فكان المعنى: أنّ أهْلَ تلك القريةِ كفرت بأنواعٍ قليلة من نعم الله، فعذبها الله، وكان اللائقُ أن يقال: إنهم كفروا بنعم عظيمة لله تعالى، فاستوجبوا العذاب، فما السَّبب في ذكر جمع القلَّة؟ .
والجواب: أن المقصود التَّنبيه بالأدنى على الأعلى، يعني: أنَّ كفران النِّعم القليلة لما أوجب العذاب، فكفران النِّعم الكثيرة أولى بإيجاب العذاب.
و «أنْعُم» فيها قولان:
أحدهما: أنها جمع «نِعْمة» ؛ نحو:«شِدَّة وأشُدّ» . قال الزمخشري:«جمع نِعْمَة على ترك الاعتداد بالتاء؛ كدِرْع وأدْرُع» .
وقال قطرب: هي جمع «نُعْم» ، والنُّعم: النَّعيم؛ يقال:«هذه أيَّام طُعْمٍ ونُعْمٍ فلا تَصُومُوا» .