النَّوح والبكاء؛ ليعلم النَّاس بذلك، فيتناهون عن هذه أو يكرهونه، فمن لم يكره النَّوح والبكاء، فهو باقٍ على موجب طبعه، ومن كرهه، كانت تلك الكراهةُ مانعة من لُحوقِ الذمِّ به.
الثالث: قال القاضي: دلَّت هذه الآية على أنَّ الوزْرَ والإثم ليس من فعل الله - تعالى -، وذلك من وجوهٍ:
أحدها: أنه لو كان كذلك، لامتنع أن يؤاخذ العبد به، كما لا يؤاخذ بوزْرِ غيره.
وثانيها: أنَّه كان يحبُّ ارتفاع الوِزْرِ أصلاً؛ لأنَّ الوزر إنَّما يصحُّ أن يوصف بذلك، إذا ك ان مختاراً يمكنه التحرُّز، ولهذا المعنى لا يوصف الصَّبيُّ بذلك.
الرابع: أن جماعة من الفقهاء المتقدِّمين امتنعوا من ضرب الدِّية على العاقلة، قالوا: لأنَّ ذلك يفضي إلى مؤاخذة الإنسان بفعل الغير، وذلك مضادٌ لهذه الآية.
ونجيب عنها بأنَّ المخطئ [غير مؤاخذٍ] على ذلك الفعل، فكيف يصير غيره مؤاخذاً بسبب ذلك الفعل، بل ذلك تكليفٌ واقعٌ ابتداءً من الله تعالى.
ثم قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} .
إقامة للحجَّة وقطعاً للعذر.
واستدلُّوا بهذه الآية على أنَّ وجوب شكر النِّعم لا يثبت بالعقل، بل بالسمع؛ كقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} .
وذلك لأنَّ الوجوب لا يتقرَّر إلَاّ بترتيب العقاب على التَّرك، ولا عقاب قبل الشَّرع بهذه الآية، وبقوله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} [النساء: ١٦٥] .
وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لولاا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى} [طه: ١٣٤] .
ولقائل أن يقول: هذا الاستدلالُ ضعيف من وجهين:
الأول: أنه لو لم يثبت الوجوب العقليُّ، لم يثبت الوجوب الشرعيُّ ألبتة، وهذا باطل.
فذلك باطل، وبيان الملازمة من وجوهٍ:
أنه إذا جاء الشَّارع، وادعى كونه نبيًّا من عند الله - تعالى - وأظهر المعجزة، فهل يجب على المستمع استماعُ قوله، والتأمُّل في معجزاته، أو لا يجب؟ .
فإن وجب بالعقل، فقد ثبت الوجوب العقليُّ، وإن وجب بالشَّرع، فهو باطلٌ؛ لأنَّ