وقال: الدليل على أن الإيمان حصل بخلق الله تعالى: أنا نشكر على الإيمان، ولو لم يكن الإيمان حاصلاً بإيجاده، لامتنع أن نشكره عليه؛ لأنَّ مدح الإنسان وشكره على ما ليس من عمله قبيحٌ. قال الله - تعالى -: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ}[آل عمران: ١٨٨] .
فعجز الحاضرون على الجواب، فدخل ثمامة بن الأشرسِ، وقال: إنَّا نمدحُ الله - تعالى - ونشكره على ما أعطانا من القدرة، والعقل، وإنزال الكتب، وإيضاح الدلائل، والله - تعالى - يشكرنا على فعل الإيمان، قال الله - تعالى -: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً} قالوا: فضحك جعفر بن حربٍ وقال: صعبت المسألة، فسهلت.
واعلم أن قولنا: مجموع القدرة مع الداعي يوجبُ الفعل كلامٌ واضح؛ لنه «تعالى» هو الذي أعطى الموجب التَّام لحصول الإيمان، فكان هو المستحقَّ للشُّكر، ولما حصل الإيمان للعبد، وكان الإيمان موجباً للسَّعادة التَّامَّة، صار العبدُ أيضاً مشكوراً، ولا منافاة بين الأمرين.
فصل
اعلم أنَّ كلَّ من أتى بفعلٍ، فإمَّا أن يقصد به تحصيل خيراتِ الدنيا، أو تحصيل الآخِرة، أو يقصد به مجموعهما، أو لم يقصد به واحد منهما.
فإن قصد به تحصيل خيراتِ الدنيا فقط، أو تحصيل الآخرة فقط، فالله - تعالى - ذكر حكم هذين القسمين في هذه الآية، وأما القسمُ الثالث فينقسمُ ثلاثة أقسامٍ: إمَّا أن يكون طلب الآخرة راجحاً أو مرجوحاً، أو يكون الطلبان متعادلين.
فإن كان طلب الآخرة راجحا، فهل يكون هذا العمل مقبولاً عند الله تعالى بحيث يحتمل أن يقال: إنه غير مقبولٍ؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حاكياً عن الله - تعالى - أنه قال:«أنَا أغْنَى الأغنِيَاءِ عن الشِّركِ من عَملَ عَملاً أشْركَ فِيهِ غَيْرِي تَركْتهُ وشَريكَهُ
.» وأيضاً: طلب رضوان الله - تعالى - إما أن يكون سبباً مستقلاً بكونه باعثاً على ذلك الفعل، وداعياً إليه، وإمَّا ألا يكون. فإن كان الأول امتنع أن يكون لغيره مدخلٌ في ذلك البعث والدعاء؛ لأنَّ الحكم إذا أسند إلى سبب كامل تامٍّ، امتنع أن يكون لغيره مدخل فيه، وإن كان الثاني، فيكون الدَّاعي إلى ذلك الفعل هو المجموع، وذلك المجموع ليس هو طلب الرضوان من الله - تعالى -؛ لأنَّ المجموع الحاصل من الشَّيء ومن غيره يجب أن يكون مغايراً لطلب رضوان الله؛ فوجب ألا يكون مقبولاً، ويحتمل أن يقال: لما كان