ف «أولئكَ» يشارُ به إلى العقلاء وغيرهم من الجموع، واعتذر ابن عطيَّة عن الإشارة به لغير العقلاءِ، فقال: وعبَّر عن السَّمعِ، والبصرِ، والفؤاد ب «أولئك» لأنها حواسٌّ لها إدراكٌ، وجعلها في هذه الآية مسئولة؛ فهي حالة من يعقل؛ ولذلك عبَّر عنها بكناية من يعقل، وقد قال سيبويه - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله تعالى:{رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}[يوسف: ٤] إنما قال «رَأيْتهُم» في نجوم؛ لأن لمَّا وصفها بالسجود - وهو فعلُ من يعقِلُ - عبَّر عنها بكناية من يعقل، وحكى الزجاج أنَّ العرب تُعَبِّرُ عمَّن يعقلُ وعمَّن لا يعقل ب «أولئك» وأنشد هو والطبريُّ: [الكامل]
وأمَّا حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده، وأمَّا البيت فالرواية فيه «الأقوامِ» ولا حاجة إلى هذا الاعتذار لما عرفت، وأما قوله:«إنَّ الرواية: الأقوَامِ» فغير معرنوفةٍ والمعروفُ إنما هو «الأيَّامِ» .
قوله:«كُلُّ اولئِكَ» مبتدأ، والجملة من «كَانَ» خبره، وفي اسم «كان» وجهان:
أحدهما: أنه ضمير عائد على «كلُّ» باعتبار لفظها، وكذا الضمير في «عَنْهُ» و «عَنْهُ» متعلق ب «مَسْئُولاً» و «مَسْئولاً» خبرها.
والثاني: أنَّ اسمها ضمير يعود على القافي، وفي «عَنْه» يعود على «كُلُّ» وهو من الالتفات؛ إذ لو جرى على ما تقدَّم، لقيل: كُنْتَ عنه مسئولاً، وقال الزمخشري: و «عَنْهُ» في موضع الرفعِ بالفاعلية، أي: كل واحدٍ كان مَسْئولاً عنه، فَمسئُول مسند إلى الجار والمجرور؛ كالمغضوب في قوله {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم}[الفاتحة: ٧] انتهى. وفي تسميته مفعول ما لم يسمَّ فاعله فاعلاً خلاف الاصطلاح.
وقد ردَّ أبو حيَّان عليه قوله: بأنَّ القائم مقام الفاعل حكمه حكمه، فلا يتقدَّم على رافعه كأصله، وليس لقائلٍ أن يقول: يجوز على رأي الكوفيِّين؛ فإنهم يجيزون تقديم الفاعل؛ لأن النحَّاس حكى الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل، إذا كان جارًّا أو مجروراً، فليس هو نظير وله {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} فحينئذٍ يكون القائم مقام الفاعل الضمير المستكنَّ العائد على «كُلُّ» أو على القافي.
فصل في ظاهر الآية
ظاهر الآية يدلُّ على أنَّ الجوارح مسئولةً، وفيه وجوهٌ: