للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ف «أولئكَ» يشارُ به إلى العقلاء وغيرهم من الجموع، واعتذر ابن عطيَّة عن الإشارة به لغير العقلاءِ، فقال: وعبَّر عن السَّمعِ، والبصرِ، والفؤاد ب «أولئك» لأنها حواسٌّ لها إدراكٌ، وجعلها في هذه الآية مسئولة؛ فهي حالة من يعقل؛ ولذلك عبَّر عنها بكناية من يعقل، وقد قال سيبويه - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله تعالى: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: ٤] إنما قال «رَأيْتهُم» في نجوم؛ لأن لمَّا وصفها بالسجود - وهو فعلُ من يعقِلُ - عبَّر عنها بكناية من يعقل، وحكى الزجاج أنَّ العرب تُعَبِّرُ عمَّن يعقلُ وعمَّن لا يعقل ب «أولئك» وأنشد هو والطبريُّ: [الكامل]

٣٤٢١ - ذُمَّ المَنازِلَ بعد مَنْزلةِ اللِّوَى ... والعَيْشَ بعْدَ أولئكَ الأيَّامِ

وأمَّا حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده، وأمَّا البيت فالرواية فيه «الأقوامِ» ولا حاجة إلى هذا الاعتذار لما عرفت، وأما قوله: «إنَّ الرواية: الأقوَامِ» فغير معرنوفةٍ والمعروفُ إنما هو «الأيَّامِ» .

قوله: «كُلُّ اولئِكَ» مبتدأ، والجملة من «كَانَ» خبره، وفي اسم «كان» وجهان:

أحدهما: أنه ضمير عائد على «كلُّ» باعتبار لفظها، وكذا الضمير في «عَنْهُ» و «عَنْهُ» متعلق ب «مَسْئُولاً» و «مَسْئولاً» خبرها.

والثاني: أنَّ اسمها ضمير يعود على القافي، وفي «عَنْه» يعود على «كُلُّ» وهو من الالتفات؛ إذ لو جرى على ما تقدَّم، لقيل: كُنْتَ عنه مسئولاً، وقال الزمخشري: و «عَنْهُ» في موضع الرفعِ بالفاعلية، أي: كل واحدٍ كان مَسْئولاً عنه، فَمسئُول مسند إلى الجار والمجرور؛ كالمغضوب في قوله {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} [الفاتحة: ٧] انتهى. وفي تسميته مفعول ما لم يسمَّ فاعله فاعلاً خلاف الاصطلاح.

وقد ردَّ أبو حيَّان عليه قوله: بأنَّ القائم مقام الفاعل حكمه حكمه، فلا يتقدَّم على رافعه كأصله، وليس لقائلٍ أن يقول: يجوز على رأي الكوفيِّين؛ فإنهم يجيزون تقديم الفاعل؛ لأن النحَّاس حكى الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل، إذا كان جارًّا أو مجروراً، فليس هو نظير وله {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} فحينئذٍ يكون القائم مقام الفاعل الضمير المستكنَّ العائد على «كُلُّ» أو على القافي.

فصل في ظاهر الآية

ظاهر الآية يدلُّ على أنَّ الجوارح مسئولةً، وفيه وجوهٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>