للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

زعمتموهم آلهة، وحذفهما اختصاراً جائزاٌ، واقتصاراً فيه خلاف.

فصل في سبب نزول الآية

قال المفسرون: إن المشركين أصابهم قحطٌ شديدٌ؛ حتَّى أكلوا الكلاب والجيفَ واستغاثوا بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليدعو لهم، قال الله تعالى {قُلِ} للمشركين {ادعوا الذين زَعَمْتُم} أنها آلهة من دونه.

واعلم أنه ليس المراد الأصنام؛ لأنَّه تعالى قال في صفتهم:

{أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} [الإسراء: ٥٧]

وابتغاءُ الوسيلة إلى الله تعالى لا يليق بالأصنام البتَّة، وإذا ثبت هذا، فنقول: إنَّ قوماً عبدوا الملائكة، فنزلت هذه الآية فيهم.

وقال ابن عبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ومجاهدٌ: إنَّها نزلت في الذين عبدوا المسيح، وعزيراً، والملائكة، والشمس، والقمر، والنجوم.

وقيل: إنَّ قوماً عبدوا نفراً من الجنِّ، فأسلم النَّفر، وبقي أولئك الناس متمسِّكين بعبادتهم، فنزلت فيهم الآية.

قال ابن عباس: كل موضعٍ في كتاب الله ورد فيه لفظ الزعم، فهو كذبٌ. ثم إنَّه تعالى احتجَّ على فساد مذهب هؤلاء بأنَّ الإله المعبود هو القادر على إزالةِ الضرر، وإيصال النفع وهذه الأشياء التي يعبدونها، وهي الملائكة، والجنُّ، والمسيحُ، وعزيرٌ لا يقدرون على كشف الضرِّ، ولا على تحصيل النَّفع، فما الدليل على أنَّ الأمر كذلك؟ فإن قلتم: لأنَّا نرى أولئك الكفَّار يتضرَّعون إليها، ولا تحصل الإجابة. قلنا: ونرى أيضاً المسلمين يتضرَّعون إلى الله تعالى، ولا تحصل الإجابة والمسلمون يقولون بأجمعهم: إنَّ القدرة على كشف الضرِّ، وتحصيل النفع ليست إلَاّ لله تعالى، وعلى هذا التقدير، فالدليل غير تامٍّ.

فالجواب: أنَّ الدليل تامٌّ كاملٌ؛ لأنَّ الكفار كانوا مقرِّين بأنَّ الملائكة عباد الله تعالى، وخالق الملائكة، وخالق العالم لا بدَّ وأن يكون أقدر من الملائكة، وأقوى منهم، وأكمل حالاً منهم.

وإذا ثبت هذا، فنقول: كمال قدرة الله معلوم متفقٌ عليه، وكمال قدرة غير الله غير معلوم، ولا متفقٍ عليه، بل المتَّفق عليه أنَّ قدرتهم بالنِّسبة إلى قدرة الله تعالى قليلة حقيرةٌ، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون الاشتغال بعبادة الله أولى من الاشتغال بعبادة

<<  <  ج: ص:  >  >>