الملائكة؛ لأنَّ استحقاق الله العبادة معلومٌ، وكون الملك كذلك مجهولٌ؛ والأخذ بالمعلوم أولى، وسلك المتكلِّمون من أهل السنَّة طريقة أخرى، وهو أنَّهم أقاموا الحجة العقليَّة على أنَّه لا موجد إلَاّ الله تعالى، ولا يخرج الشيء من العدم إلى الوجود إلا الله، وإذا ثبت ذلك ثبت أنه لا ضارّ ولا نافع إلا الله تعالى، فوجب القطع بأنه لا معبود إلا الله تعالى، وهذه الطريقة لا تتم للمعتزلة، لأنهم لما جوزوا كون العبد موجداً لأفعاله امتنع عليهم الاستدلال على أن الملائكة - عليهم السلام - لا قدرة لها على الإحياء والإماتة، وخلق الجسم، وإذا عجزوا عن ذلك، لا يتمُّ لهم هذا الدليلُ، فهذا هو الدليل القاطع على صحَّة قوله:{فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً} ، والتحويلُ عبارة عن النَّقل من حالٍ إلى حالٍ، ومن مكانٍ إلى مكانٍ، يقال: حوَّله، فتحوَّل.
قوله
تعالى
: {أولئك
الذين يَدْعُونَ} : «أولئك» مبتدأ، وفي خبره وجهان:
أظهرهما: أنّه الجملة من «يَبْتَغُونَ» ويكون الموصولُ نعتاً، أو بياناً أو بدلاً، والمراد باسم الإشارة الأنبياء أو الملائكة الذين عبدوا من دون الله، والمراد بالواو العبَّاد لهم، ويكون العائدُ على «الَّذينَ» محذوفاً، والمعنى: أولئك الأنبياء الذين يدعونهم المشركون، لكشف ضرِّهم - أو يدعونهم آلهة، فمفعولها أو مفعولاها محذوفان - يبتغون.
ويجوز أن يكون المراد بالواو ما أريد بأولئك، أي: أولئك الأنبياء الذين يدعون ربَّهم أو النَّاس إلى الهدى يبتغون، فمفعول «يَدْعُونَ» محذوف.
والثاني: أن الخبر نفسُ الموصول، و «يَبْتَغُون» على هذا حالٌ من فاعل «يَدْعُون» أو بدلٌ منه. وقرأ العامة «يَدعُونَ» بالغيب، وقد تقدَّم الخلاف في الواو؛ هل تعود على الأنبياء أو على عابديهم، وزيد بن عليٍّ بالغيبة أيضاً، إلا أنه بناه للمفعول، وقتادة، وابن مسعود بتاء الخطاب، وهاتان القراءتان تقوِّيان أنَّ الواو للمشركين، لا للأنبياء في قراءة العامة.
فسل
إذا أعدنا «يَدْعُونَ» للعابدين، و «يَبْتَغُونَ» للمعبودين، فالمعنى: أولئك المعبودون يبتغون إلى ربِّهم الوسيلة؛ لأنَّ الملائكة يرجعون غلى الله في طلب المنافع، ودفع المضارِّ، يرجون رحمته، ويخافون عذابه، وإذا كانوا كذلك، كانوا عاجزين محتاجين، والله - تعالى أغنى الأغنياء، فكان الاشتغال [بعبادته] أولى.
فإن قيل: لا نسلِّم أنَّ الملائكة محتاجون إلى رحمة الله تعالى، وخائفون من عذابه.