فالجواب: أنَّ الملائكة: إمَّا أن يقال: إنَّها واجبة الوجود لذواتها، أو يقال: إنَّها ممكنة الوجود لذواتها، والأول باطلٌ؛ لأن جميع الكفَّار كانوا معترفين بأن الملائكة عبادُ الله، ومحتاجون إليه.
وأما الثاني: فهو يوجب القول بأنَّ الملائكة محتاجون في ذواتها، وفي كمالاتها إلى الله تعالى، فكان الاشتغالُ بعبادة الله تعالى أولى من الاشتغال بعبادةِ الملائكة.
وإن أعدنا «يَدْعُونَ» إلى الأنبياء - عليهم السلام - المذكورين في قوله تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ} فالمعنى هو أنَّ الذي عظمت منزلتهم - وهم الأنبياء - لا يعبدون إلا الله تعالى، ولا يبتغون الوسيلة إلَاّ إليه، فأنتم بالاقتداءِ بهم أحق، فلا تعبدوا غير الله - عزَّ وجلَّ - والمراد بالوسيلةِ: الدَّرجة العليا.
وقيل: كل ما يتقرَّب إلى الله تعالى.
واحتجُّوا على صحَّة هذا القول بأنَّ الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، فلا يخافون عذابه، فثبت أنَّ هذا غير لائقٍ بالملائكةِ، وإنما هو لائقٌ بالأنبياء - صلوات الله عليهم -.
وأجيب بأنَّ الملائكة يخافون من عذاب الله، لو اقدموا على الذنب، قال تعالى:{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ}[الأنبياء: ٢٩] وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ}[النحل: ٥٠] ثم قال عزَّ وجلَّ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} أي من حقِّه أن يحذر، فإن لم يحذره بعض الناس لجهله، فإنَّه لا يخرج عن كونه يجب الحذر عنه.
قوله تعالى:{أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} في «أيُّ» هذه وجها:
أحدهما: أنها التفهامية.
والثاني: أنها موصولة بمعنى «الَّذي» وإنما كثر كلام المعربين فيها من حيث التقدير، فقال الزمخشريُّ:«وأيُّهم بدلٌ من واو» يَبْتَغُونَ «و» أيُّ «موصولة، أي: يبتغي من هو أقربُ منهم وأزلفُ، أو ضمِّن» يَبْتغُونَ الوسيلة «معنى يحرصون، فكأنه قيل: يحرصون أيهم يكون أقرب» . فجعلها في الوجه الأول موصولة، وصلتها جملة من مبتدأ وخبر، حذف المبتدأ، وهو عائدها، و «أقْرَبُ» خبرٌ. واحتملت «أيُّ» حينئذٍ أن تكون مبنية، وهو الأكثر فيها، وأن تكون معربة، وسيأتي موضعه في مريم:[٦٩] إن شاء الله تعالى وفي الثاني جعلها استفهامية؛ بدليل أنه ضمَّن الابتغاء معنى شيء تعلق، وهو يحرصون، فيكون «أيُّهُمْ» مبتدأ و «أقربُ» خبره، والجملة في محلِّ نصب على إسقاط الخافض؛ لأنَّ «تحْرِصُ» يتعدَّى ب «على» قال تعالى: {إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ}[النحل: ٣٧] ، {أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ}[البقرة: ٩٦] .
وقال أبو البقاء:«أيُّهُمْ» مبتدأ، و «أقْرَبُ» خبره، وهو استفهامُ في موضع نصبٍ