الأول: أن إبليس، هل كان عالماً بأن الذي تكلم معه بقوله:{واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ} هو إله العالم، أو لم يعلم ذلك؟ فإن علم ذلك، ثم إنه تعالى قال:{فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً}[الإسراء: ٦٣] فكيف لم يصر هذا الوعيد الشديد مانعاً له من المعصية، مع أنَّه سمعه من الله تعالى من غير واسطة؟ وإن لم يعلم أنَّ هذا القائل هو إله العالم، فكيف قال:«أرأيتك هذا الذي كرمت علي» ؟! .
والجواب: لعلَّه كان شاكًّا في الكلِّ أو كان يقول في كلِّ قسم ما يخطر بباله على سبيل الظنِّ.
والسؤال الثاني: ما الحكمة في كونه أنظره إلى يوم القيامة، ومكَّنه من الوسوسة، والحكيمُ إذا أراد أمراً، وعلم أنَّ شيئاً من الأشياء يمنع من حصوله، فإنَّه لا يسعى في تحصيل ذلك المانع؟ .
والجوابُ: أمَّا مذهبنا، فظاهر في هذا الباب، وأمَّا المعتزلة، فقال الجبائيُّ: علم الله أن الذين كفروا عند وسوسته يكفرون، بتقدير ألا يوجد إبليس، وإذا كان كذلك، لم يكن في وجوده مزيد مفسدة.
وقال أبو هاشم: لا يبعد أن يحصل من وجوده مزيد مفسدة، إلَاّ أنه تعالى أبقاه تشديداً للتَّكليف على الخلق؛ ليستحقُّوا بسبب ذلك التشديد مزيد الثَّواب، وقد تقدَّم الكلام على ذلك في الأعراف والحجر.