للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال قومٌ: هو جسم لطيف.

وقال بعضهم: الروح معنى اجتمع فيه النُّور، والطِّيب، والعلوُّ، والعلم، والبقاء؛ ألا ترى أنه إذا كان موجوداً، يكون الإنسان موصوفاً بهذه الصفات [جميعها] ، وإذا خرج ذهب الكلُّ؟! .

فصل

في شرح مذاهب القائلين بأنَّ الإنسان جسم موجود، روح في داخل البدن.

قال ابن الخطيب: اعلم أن الأجسام الموجودة في هذا العالم السفليِّ: إما أن تكون أحد العناصر الأربعة، أو ما يكون متولِّداً من امتزاجها، ويمتنع أن يحصل في البدنِ الإنسانيِّ جسمٌ عنصريٌّ خالصٌ، بل لا بدَّ وأن يكون الحاصل جسماً متولِّداً من امتزاجات هذه الأربعة.

فنقول: أمَّا الجسم الذي تغلب عليه الأرضية: فهو الأعضار الصُّلبة الكثيفة؛ كالعظم، والعروق، والغُضروف، والعصب، والوتر، والرِّباطاتِ لهذا الجسم، واللَّحم والجلد، ولم يقل أحد من العقلاء الذين قالوا: إنَّ الإنسان بمعنى: روح مغاير لهذا الجسد، بأنَّه عبارة عن عضوٍ معيَّن من هذه الأعضاء؛ وذلك لأنَّ هذه الأعضاء ثقيلة، كثيفة، ظلمانيَّة، لم يقل أحد من العقلاء بأنَّ الإنسان عبارةٌ عن أحد هذه الأعضاء.

وأما الجسم الذي تغلب عليه المائية؛ فهو الأخلاط الأربعة ولم يُقَلْ في شيءٍ منها: إنَّه الإنسان إلَاّ في الدَّم؛ فإنَّ فيهم من قال: هو الرُّوح؛ بدليل أنَّه، إذا خرج، لزم الموت.

وأمَّا الجسم الذي تغلب عليه الهوائية، والنارية؛ فهو الأرواح: وهي نوعان: أجسامٌ هوائية مخلوطة بالحرارةِ الغريزيّة، متولِّدة: إمَّا في القلب، أو في الدِّماغ، وقالوا: إنما هي الروح الإنسانيُّ، ثمَّ اختلفوا.

فمنهم من يقول: هو الرُّوح الذي في القلب.

ومنهم من يقول: إنَّه جزءٌ لا يتجزَّأ في الدِّماغ.

ومنهم من يقول: الرُّوحُ عبارة عن أجزاءٍ ناريَّة مختلطة بهذه الأرواح القلبيَّة، والدِّماغيَّة، وتلك الأجزاء النارية: هي المسمَّاة بالحرارة الغريزيَّة، وهي الإنسان.

ومن النَّاس من يقول: الروح عبارةٌ عن أجسام نورانيَّةٍ، سماويةٍ، لطيفة الجوهر، على طبيعة ضوءِ الشَّمس، وهي لا تقبلُ التحلُّل، والتبدُّل، ولا التفرُّق، والتمزُّق؛ وهو المراد بقوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر: ٢٩] نفذت تلك الأجسام الشَّريفة السماوية الإلهيَّة في داخل أعضاء البدنِ نفاذ النَّار في الفحم، ونفاذ دهن السِّمسم في السِّمسم، ونفاذ دهن الورد في جسمِ الورد؛ وهو المراد من قوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر: ٢٩] .

ثم إنَّ البدن ما دام سليماً، قابلاً لنفاذ تلك الأجسام الشريفة، بقي حيًّا، فإذا تولَّد

<<  <  ج: ص:  >  >>