في البدن أخلاطٌ غليظةٌ، منعت من سريان تلك الأجسام الشريفة فيها، فانفصلت عن هذا البدن؛ فحينئذ: يعرض الموت.
قال: فأمَّا أنَّ الإنسان جنسٌ موجودٌ خارج البدن، فلا أعرف أحداً ذهب إلى هذا القول.
فصل في الاحتجاج على أن الروح ليست بجسم ولا عرض
احتجَّ ابن الخطيب لمسمَّى الروح بأنها ليست بجسمٍ، ولا عرضٍ، وأنها غير البدن؛ بوجوه كثيرة عقليَّة ونقليَّة.
قال ابن الخطيب: منها أنَّ العلم البديهيَّ حاصل بأن أجزاء هذه الجثَّة متبدلة بالزِّيادةِ والنُّقصانِ، والمتبدل مغاير للثَّابت.
ومنها: أنَّ الإنسان حال كونه مشتغلاً بفكره في شيءٍ معيَّن، فإنه في تلك الحالة يكونُ غافلاً عن جميع أجزاء بدنه، وغير غافل عن نفسه؛ فوجب أن يكون الإنسان مغايراً لبدنه.
ومنها: قول الإنسان: رأسي، وبدني، وعيني، ويضيف كل عضو إلى نفسه، والمضاف غير المضاف إليهز
فإن قيل: قد يقول: نفسي وذاتي فيضيف الذات والنفس إلى [نفسه] ؛ فيلزم أن يكون الشيء وذاته مغايرة لنفسه، وهو محالٌ، قلنا: قد يريد بنفس الشيء وذاته الحقيقة المخصوصة التي يشير إليها كلُّ أحدٍ بقوله: أنا فلانٌ، فغذا قال: نفسي، وذاتي، كان المراد البدن، وهو مغاير للإنسان، أمَّا إذا أريد بالنَّفس والذَّات الحقيقة المخصوصة المشار إليها بقوله: أنا فلانٌ، ثم إنَّ الإنسان يكنه أن يضيف ذلك إلى نفسه بقوله: إنَّه لي.
ومنها: أنَّ الإنسان قد يكون حيًّا، حال موت البدن؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: ١٦٩] .
والحِسُّ يرى الجسد ميِّتاً.
وقال تعالى: {النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر: ٤٦] .
وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: « [» أنبياء الله لا يموتون «] » .
وقال - عليه السلام -: «إذَا حُمِلَ الميِّتُ على نعشِه، [رفرف] روحه فوق النَّعشِ، ويقول: يا أهْلِي، ويَا ولَدِي» .
وقال تعالى: {ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} [الفجر، ٢٧، ٢٨] .
ومنها: أن الإنسان، إذا قطعت يداه ورجلاه، لم ينقص من عقله، وفهمه شيء.
ومنها: الذين مسخهم الله قردة وخنازير؛ فإن لم يكن ذلك الإنسان حيًّا، وإلَاّ لكان