ذلك المسخُ إماتة لذلك الإنسان، وخلقاً لذلك الخنزير.
ومنها: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يرى جبريل في صورة دحية، ويرى إبليس في صورة الشَّيخِ النجديِّ.
ومنها: العضو، وهذا يدل على أن الإنسان شيء غير الجسد، وأنَّ الزَّاني يزني بفرجه؛ فيضرب على ظهره؛ فيلزم أن يكون الإنسانُ شيئاً آخر، سوى الفرج، وسوى الظَّهر، وهو شيء يستعمل الظهر في عمل، والفرج في عمل؛ فيكون المتلذذ المتألم هو ذلك الشيء بواسطة ذلك العضو، وكل هذا يدل على أن الإنسان شيء غير الجسد.
ثم قال: واحتج المنكر بثلاثة أوجه:
الأول: لو كانت مساوية لذات الله في كونه ليس بجسم ولا عرض لكانت مساوية له في تمام الماهية، وذلك محال.
الثاني: قوله تعالى: {قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} [عبس: ١٧ - ٢٢] .
وهذا تصريحٌ بأنَّ الإنسان شيء مخلوق من النُّطفة، وأنه يموت، ويدخل القبر، ثم إنَّه تعالى يخرجه من القبر، ولو لم يكن الإنسان عبارة عن هذه الجثَّة، وإلَاّ لم تكن الأحوال المذكورة في هذه الآية صحيحة.
الثالث: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً} [آل عمران: ١٦٩] إلى قوله: {فَرِحِينَ} [آل عمران: ١٧٠] .
وهذا يدلُّ على أنَّ الروح جسم؛ لأنّ الارتزاق والفرح من صفات الأجسام.
والجواب عن الأوَّل: أنَّ المساواة في أنَّه ليس بمتحيِّز، ولا حالٍّ في المتحيِّز مساواةٌ في صفةٍ سلبيةٍ، والمساواة في الصِّفة السلبيَّة لا توجبُ المماثلة.
واعلم: أنَّ جماعة من الجهَّال يظنُّون أنَّه لما كان الروح موجوداً ليس بمتحيِّز، ولا حالٍّ في المتحيز، وجب أن يكون مثلاً للإله، أو جزءاً له، وذلك جهلٌ فاحشٌ، وغلطٌ قبيحٌ.
وتحقيق القولك ما ذكرناه من أنَّ المساواة في السُّلوب، لو أوجبت المماثلة، لوجب القول باستواءِ كلِّ المخالفات؛ فإنَّ كل ماهيَّتينِ مختلفتين، لا بدَّ وأن يشتركا في سلب ما عداهما عنهما، فليتفكر في هذه الدقيقة؛ فإنَّها مغلطةٌ عظيمةٌ للجهَّال.
والجوابُ عن الثاني: أنه لمَّا كان الاتِّصافُ في العرف والظَّاهر عبارة عن هذه الجثَّة أطلق عليه اسم الإنسان.