واحتج الكعبي بهذه الآية الكريمة بأنَّ القرآن مخلوقٌ؛ فقال: الذي يقدر على إزالته والذَّهاب به يستحيل أن يكون قديماً، بل يجب أن يكون محدثاً.
وأجيب بأن يكون المراد بهذا الإذهاب إزالة العلم به عن القلوب، وإزالة النَّقش الدَّال عليه من المصحف؛ وذلك لا يوجبُ كون ذلك المصكوكِ المدلول محدثاً.
فصل في كيفية رفع القرآن آخر الزمان
قال عبد الله بن مسعود: اقرءوا القرآن قبل أن يرفع؛ فإنَّه لا تقوم الساعة حتَّى يرفع، قيل: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور النَّاس؟ قال: يسري عليه ليلاً، فيرفع ما في صدورهم، فيصبحون لا يحفظون شيئاً، ولا يجدون ف يالمصاحف شيئاً، ثم يفيضون في الشِّعر.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: لا تقوم السَّاعة حتَّى يرفع القرآن من حيثُ نزل، لهُ دويٌّ حول العرشِ، كدويِّ النَّحلِ؛ فيقول الربُّ: ما لك؟ فيقول: يا ربِّ، أتلى، ولا يعمل بي.
ثم قال: {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} أي: لا تجدُ من تتوكَّل عليه في ردِّ شيءٍ منه.
قوله تعالى: {إِلَاّ رَحْمَةً} : قيل: استثناء متصل؛ لأنها تندرج في قوله «وَكِيلاً» والمعنى: إلَاّ أن يرحمك ربُّك؛ فيردَّه عليك. وقيل: إنه استثناء منقطع، فتتقدر ب «لَكِنْ» عند البصريين، و «بَلْ» عند الكوفيين.
والمعنى: إلا رحمة من ربِّك؛ إذ كل رحمة من ربِّك تركته غير مذهوب به، أي: لكن لا يشاء ذلك رحمة من ربِّك، وهذا امتنانٌ من الله؛ وهو نوعان:
الأول: تسهيل ذلك العلم عليه.
والثاني: إبقاء حفظه عليه.
قوله «مِنْ ربِّكَ» يجوز أن يتعلق ب «رَحْمةً» وأن يتعلق بمحذوفٍ، صفة لها.
ثم قال: {إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً} .
بسبب إبقاء العلم والقرآنِ عليك، وقيل: بسببِ أنَّه جعلك سيِّد ولد آدم، وختم بك النَّبيِّين، وأعطاك المقَام المحمود، فلما كان كذلك، لا جرم أنعم عليك بإبقاء العلم والقرآن عليك.