فالجواب: أن المراد بقوله: {يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ} أي: مستوفين مقيمين.
قوله:{وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد} الآية.
لما أجاب عن شبهات القوم في إنكار النبوة، وأردفها بالوعيد بقوله:{إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} على الإجمال، ذكر بعده الوعيد الشديد على التَّفصيل، فقال:{وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ} .
المراد تسليةُ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو أنَّ الذين حكم لهم بالإسلام والهداية سابقاً، وجب أن يصيروا مؤمنين، ومن سبق لهم حكم الله بالضَّلال والجهل، استحال أن ينقلبوا عن ذلك.
واحتجَّ أهل السنة بهذه الآية على صحَّة مذهبهم في الهدى والضَّلال، والمعتزلة حملوا هذا الضلال تارة على طريق الجنَّة؛ وتارة على منع الألطاف، وتارة على التَّخلية، وعدم التعرُّض لهم بالمنع. والواو مندرجة تحت القول، فيكون محلُّها نصباً، وأن يكون من كلام الله، فلا محلَّ لها؛ لاستئنافها، ويكون في الكلام التفاتٌ؛ إذ فيه خروجٌ من غيبة إلى تكلُّم في قوله:{وَنَحْشُرُهُمْ} .
وحمل على لفظ «مَنْ» في قوله «فَهُوَ المُهتدِ» فأفرد، وحمل على معنى «من» الثانية في قوله «ومَن يُضلِلْ، فلنْ تَجدَ لَهُم» ، [فجمع] .
ووجه المناسبة في ذلك - والله أعلم -: أنه لمَّا كان الهدي شيئاً واحداً غير متشعِّب السبل، ناسبه التوحيد، ولمَّا كان الضلال له طرقٌ متشعبةٌ؛ نحو:{وَلَا تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[الأنعام ١٥٣] ناسب الجمع الجمع، وهذا الحمل الثاني مما حمل فيه على المعنى، وإن لم يتقدمه حمل على اللفظ، قال أبو حيان:«وهو قليل في القرآن» ، يعني: بالنسبة إلى غيره، ومثله:{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}[يونس: ٤٢] ويمكن أن يكون المحسِّن لهذا هنا كونه تقدَّم حمل على اللفظ، وإن كان في جملة أخرى غير جملته.
وقرأ نافعٌ، وأبو عمرو بإثبات ياء «المهتدي» وصلاً، وحذفها وقفاً، وكذلك في التي تحت هذه السورة، وحذفها الباقون في الحالتين.
قوله:{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} يجوز أن يتعلق الجار في قوله {على وُجُوهِهِمْ} بالحشر، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من المفعول، أي: كائنين ومسحوبين على وجوههم.
فإن قيل: كيف يمكنهم المشي على وجوههم؟ .
فالجواب من وجهين:
الأول: أنَّهم يسحبون على وجوههم، قال تعالى:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ}[القمر: ٤٨] .