أحدها: أنها بمعنى «على» ، أي: على الأذقان؛ كقولهم: خرَّ علىوجهه.
والثاني: أنها للاختصاص، قال الزمخشري: فإن قيل: حرف الاستعلاءِ ظاهر المعنى، إذا قلت: خرَّ على وجهه، وعلى ذقنه، فما معنى اللام في «خرَّ لذقنه، ولوجهه» ؟ قال: [الطويل]
٣٤٧٨ - ... ... ... ... ... . ... فَخرَّ صَرِيعاً للْيَديْنِ وللْفَمِ
قلت: معناه: جعل ذقنهُ، ووجههُ [للخرور] ، قال الزجاج: الذَّقنُ: مجمع اللَّحيين، وكلما يبتدئ الإنسان بالخرور إلى السجود، فأقرب الأشياء من الجبهة إلى الأرض الذَّقنُ.
وقيل: الأذقان اللِّحى؛ فإن الإنسان، إذا بالغ في السجود، والخضوع، ربَّما مسح ليحتهُ على التُّراب؛ فإنَّ اللحية يبالغ في تنظيفها، فإذا عفَّرها بالتُّراب، فقد أتى بغايةِ التعظيم [للخُرور] .
واختصَّ به؛ لأنَّ اللام للاختصاص، وقال أبو البقاء: «والثاني: هي متعلقة ب» يَخِرُّون «، واللام على بابها، أي: مذلُّون للأذقان» .
والأذقانُ: جمعُ ذقنٍ، وهو مجمعُ اللَّحيين؛ قال الشاعر: [الطويل]
٣٤٧٩ - فَخرُّوا لأذقَانِ الوُجوهِ تَنُوشُهمْ ... سِباعٌ من الطَّيْرِ العَوادِي وتَنتِفُ
و «سُجَّداً» حال، وجوَّز أبو البقاء في «للأذقانِ» أن يكون حالاً، قال: «أي: ساجدين للأذقان» وكأنه يعني به «للأذْقانِ» الثانية؛ لأنَّه يصير المعنى: ساجدين للأذقان سجداً؛ ولذلك قال: «والثالث: أنها - يعني اللام -[بمعنى] » على «؛ فعلى هذا يكون حالاً من» يَبْكُونَ «، و» يَبْكُون «حال» .
فإن قيل: لم قيل: يَخرُّون للأذقان سجداً، ولم يقل يسجدون؟
والجواب: أن المقصود من هذا اللفظ مسارعتهم إلى ذلك؛ حتَّى أنهم يسقطون.
ثم قال: {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} ، أي: كان قولهم في سجودهم: «سبحان ربِّنا» ، أي: ينزِّهونه، ويعظِّمونه {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} أي: بإنزال القرآن، وبعث محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وهذا يدلُّ على أنَّ هؤلاء كانوا من أهل الكتاب، لأنَّ الوعد ببعثة محمد سبق في كتابهم، وهم كانوا ينتظرون إنجاز ذلك الوعد، ثم قال: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} .