وروى سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبَّاس في هذه الآية، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يرفعُ صوته بالقراءة، فإذا سمعه المشركون سبُّوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} ، أي: بقراءتك، أي: فيسمعك المشركون؛ ليسبُّوا القرآن، ويسبُّوا الله عدواً بغير علم.
قوله:{وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فلا يسمعك أصحابك.
قوله:{وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً} .
روى أبو قتادة «أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ طاف باللَّيل على دور أصحابه؛ فكان أبو بكرٍ يخفي صوته بالقراءة، وكان عمر يرفعُ صوته، فلما جاء النَّهار، وجاء أبو بكرٍ وعمر، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: هِيَ لَكَ، مَررْتُ بِكَ، وأنْتَ تَقْرأ، وأنْتَ تخفضُ من صَوتِكَ، فقال: إنِّي سَمِعتُ من نَاجَيتُ، قَالَ: فَارفَعْ قليلاً، وقَالَ لِعُمرَ: مَررْتُ بِكَ، وأنْتَ تَقْرَأ، وأنْتَ تَرْفَعُ مِنْ صَوْتِكَ، فقال: إنِّي أوقظُ الوسْنانَ، وأطردُ الشَّيطَانَ، فقال: اخْفِضْ قليلاً» .
وقيل: المراد (ولا تجهر بصلاتك كلها) ، ولا تخافت بها كلها (وابتغ بين ذلك سبيلا) بأن تجهر بصلاة الليل، وتخافت بصلاة النَّهار.
وقيل: الآية في الدعاء، وهو قول أبي هريرة، وعائشة، والنخعيِّ، ومجاهدٍ، ومكحولٍ، وروي مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال في هذه الآية، قال: إنَّما ذلِكَ في الدُّعاءِ والمسالة.
قال عبد الله بن شدَّادٍ: كان أعرابٌ من بني تميم، إذا سلَّم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قالوا: اللهم ارزقنا مالاً وولداً يجهرون، فأنزل الله هذه الآية:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} .
أي: لا ترفع صوتك بقراءتك، ودعائك، ولا تخافت بها.
والمُخَافتَةُ: خفض الصَّوت والسُّكوتُ.
يقل: خفت صوته يخفته خفوتاً، إذا ضعف وسكن، وصوتٌ خفيتٌ، أي: خفيضٌ.
ومنه يقال للرجل، إذا مات: قد خفت كلامه، أي: انقطع كلامه، وخفت الزَّرعُ،