وأما قوله:{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} فهو كلامٌ تقدَّم، وقد تخلَّل بينه وبين هذه الآية ما يوجبُ انقطاع أحدهما عن الآخر، وهو قوله:{فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَاّ مِرَآءً ظَاهِراً}[الكهف: ٢٢] .
وقوله تعالى:{قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} لا يوجب أنَّ ما قبله حكاية؛ لأنَّه تعالى أراد بل الله أعلم بما لبثوا، فارجعوا إلى خبر الله دون ما يقوله أهل الكتاب، والمعنى أن الأمر في مدَّة لبثهم، كما ذكرنا، فإن نازعوك فيها، فأجبهم فقل:{الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} أي: فهو أعلم منكم، وقد أخبر بمدَّة لبثهم.
وقيل: إنَّ أهل الكتاب قالوا: إنَّ المدَّة من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاثمائة وتسع سنين، فردَّ الله عليهم، وقال:{قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} يعني بعد قبض أرواحهم إلى يومنا هذا، لا يعلمه إلَاّ الله.
فأمَّا الأولى: فأوقع فيها الجمع موقع المفرد؛ كقوله:{بالأخسرين أَعْمَالاً}[الكهف: ١٠٣] . قاله الزمخشريُّ يعني أنه أوقع «أعْمَالاً» موقع «عملاً» وقد أنحى أبو حاتمٍ على هذه القراءة ولا يلتفت إليه، وفي مصحف عبد الله «سنة» بالإفراد، وبها قرأ أبيّ، وقرأ الضحاك «سِنُونَ» بالواو على أنها خبر مبتدأ مضمرٍ، أي: هي سنُونَ.
وأمَّا الباقون، فلما لم يروا إضافة «مِئَة» إلى جمعٍ، نَوَّنُوا، وجعلوا «سِنينَ» بدلاً من «ثَلاثمائةٍ» أو عطف بيان.
قال البغويُّ: فإن قيل لِمَ قال: «ثلاثمائة سنين» ولم يقل سنة؟ فالجواب، لمَّا نزل قوله تعالى:{وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ} فقالوا: أيَّاماً، أو شهوراً، أو سنين، فنزلت «سنين» .
وقال الفراء: من العرب من يضع «سنين» موضع سنة.
ونقل أبو البقاء أنها بدل من «مِئَةٍ» لأنها في معنى الجمع. ولا يجوز أن يكون «سِنينَ» في هذه القراءة تمييزاً؛ لأنَّ ذلك إنما يجيء في ضرورةٍ مع إفرادِ التمييز؛ كقوله: