للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهي في المكتل، فاضطربت، وعاشت، فوثبت في البحر.

ثم قال تعالى: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} أي: نسيا كيفيَّة الاستدلال بهذه الحالة المخصوصة على الوصول إلى المطلوب، فإن قيل: انقلاب السَّمكة المالحة حيَّة [حالة] عجيبة [فلما] جعل الله تعالى حصول هذه الحالة العجيبة دليلاً على الوصول إلى المطلوب، فكيف يعقل حصول النِّسيان في هذا المعنى؟ .

فالجواب أنَّ يوشع كان قد شاهد المعجزات الباهرات من موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كثيراً، فلم يبق لهذه المعجزات عنده وقعٌ عظيم، فجاز حصول النِّسيان.

وهذا الجواب فيه نظرٌ.

قال ابن زيدٍ: أي شيءٍ أعجبُ من حوتٍ يؤكل منه دهراً، ثم صار حيًّا بعدما أكلَ بعضه.

فصل في ذكر جوابٍ آخر لابن الخطيب

قال ابن الخطيب: وعندي فيه جوابٌ آخر، وهو أنَّ موسى - عليه السلام - لما استعظم علم نفسه، أزال الله عن قلب صاحبه هذا العلم الضروريَّ؛ تنبيهاً لموسى عليه السلام - على أنَّ العلم لا يحصل ألبتَّة إلا بتعليم الله تعالى، وحفظه على القلب.

وقال البغويُّ: «نَسيَا» تركا «حُوتَهُمَا» ، وإنما كان الحوت مع يوشع، وهو الذي نسيه، وأضاف النِّسيان إليهما؛ لأنهما جميعاً لمَّا تزوَّداه لسفرهما، كما يقال: خرج القوم إلى موضع كذا، وحملوا من الزَّاد كذا [وإنما حملهُ واحد منهم. ثم قال: «واتخذ سبيله في البحر سرباً» قيل: تقديره سرب في البحر سرباً «] إلَاّ أنه أقيم قوله:» فاتّخذ «مقام قوله:» سرباً «، والسَّرب هو الذهاب ومنه قوله تعالى: {وَسَارِبٌ بالنهار} [الرعد: ١٠] .

وقيل: إن الله تعالى أمسك الماء عن الجري، وجعله كالطاق والكوَّة؛ حتَّى سرب الحوت فيه، وذلك معجزةٌ لموسى أو الخضر - عليهما السلام -.

روي عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:» انجاب الماءُ عن مسلكِ الحوت، فصار كوَّة، لم يلتئمْ، فدخل موسى الكوَّة على إثر الحوت، فإذا هو بالخضر «.

وقوله: {فَلَمَّا جَاوَزَا} أي: موسى وفتاه الموعد المعين، وهو الوصول إلى الصخرة بسبب النِّسيان المذكور، وذهبا كثيراً، وتعبا، وجاعا.

{قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا} والغداءُ: ما يعدُّ للأكل غدوة، والعشاء: ما يعدُّ للأكل

<<  <  ج: ص:  >  >>