في هؤلاء، كما قضى في أولئك؛ من تعذيب الظالمين، والإحسان إلى المؤمنين.
وقيل: تمَّ الكلام عند قوله: {كَذَلِكَ} .
والمعنى: أنه تعالى قال: أمر هؤلاء القوم، كما وجدهم عليه ذو القرنين، ثم قال بعده:{وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً} أي: كنَّا عالمين بأنَّ الأمر كذلك.
قوله:{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} الآية.
و {بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ}«بين» هنا يجوز أن يكون ظرفاً، والمفعول محذوف، أي: بلغ غرضه ومقصوده، وأن يكون مفعولاً به على الاتِّساع، أي: بلغ المكان الحاجز بينهما.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، بفتح سين «السَّدَّين» و «سَدًّا» في هذه السورة، وحفصٌ فتح الجميع، أعني موضعي هذه السورة، وموضعي سورة يس [الآية: ٩] ، وقرأ الأخوان بالفتح في «سدًّا» في سورتيه، وبالضمِّ في «السُّدَّين» والباقون بالضمِّ في الجميع، فقيل: هما بمعنى واحدٍ، وقيل: لمضمومُ: ما كان من فعل الله تعالى، والمفتوحُ ما كان من فعل النَّاس، وهذا مرويٌّ عن عكرمة، والكسائي، وأبي عبيد وابن الأنباريِّ.
قال الزمخشري: لأنَّ السُّدَّ، بالضمِّ:«فُعْل» بمعنى «مفْعُول» أي: هو مما فعله الله، وخلقه، والسَّدُّ، بالفتح: مصدر حدث يحدثه الناس. وهو مردودٌ: بأنَّ السدَّين في هذه السورة جبلان، سدَّ ذو القرنين بينهما بسدٍّ، فهما من فعلِ الله، والسدُّ الذي فعله ذو القرنين من فعل المخلوق، و «سدًّا» في يس من فعلِ الله تعالى؛ لقوله:«وجعلنا» ومع ذلك قرئ في الجميع، بالفتح، والضمِّ، فعلم أنَّهما لغتان؛ كالضَّعف، والضُّعف، والفَقر، والفُقر، وقال الخليل: المضموم اسمٌ، والمفتوح مصدر، وهذا هو الاختيار.
فصل في مكان السد
الأظهرُ: أنَّ موضع السدَّين في ناحية الشَّمال، وقيل: جبلان بين أرمينيَّة، وأذربيجان.
وقيل: هذا المكان في مقطع أرض التُّرك.
وحكى محمد بن جرير الطبريُّ في تاريخه: أنَّ صاحب أذربيجان أيَّام فتحها، وجَّه إنساناً إليه من ناحية الخزر، فشاهده، ووصف أنَّه بنيانٌ رفيعٌ وراء خندقٍ وثيقٍ منيعٍ، وذكر ابن خرداذبة في كتابه «المسالك والممالك» أن الواثق بالله رأى في المنام كأنَّه فتح هذا الردم، فبعث بعض الخدم إليه ليعاينوه، فخرجوا من باب الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه، فبعث بعض الخدم إليه ليعاينوه، فخرجوا من باب الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه، فوصفوا أنه بنيانٌ من لبنٍ من حديد مشدود بالنُّحاس المذاب، وعليه بابٌ مقفلٌ، ثم إنَّ ذلك