والباقون بالتاء من فوق؛ لتأنيث اللفظ، وقرأ السلميُّ - ورويت عن أبي عمرو وعاصم - «تنفَّد» بتشديد الفاء، وهو مطاوع «نفَّد» بالتشديد؛ نحو: كسَّرته، فتكسَّر، وقراءة الباقين مطاوع «أنْفَدتُّهُ» .
قوله: «ولَوْ جِئْنَا» جوابها محذوفٌ لفهم المعنى، تقديره: لَنفِدَ، والعامة على «مَدداً» بفتح الميم، والأعمش قرأ بكسرها، ونصبه على التمييز كقوله: [الطويل]
٣٥٧٥ - ... ... ... ... ... . ... فإنَّ اله! وَى يَكْفِيكهُ مثلهُ صَبْرا
وقرأ ابن مسعود، وابن عبَّاس «مِداداً» كالأول، ونصبه على التَّمييز ايضاً عند أبي البقاء، وقال غيره - كأبي الفضل الرازيِّ -: إنه منصوب على المصدر، بمعنى الإمداد؛ نحو: {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً} [نوح: ١٧] قال: والمعنى: ولو أمددناهُ بمثله إمداداً.
فصل في معنى الآية
المعنى: ولو كان الخلائقُ بكتبون، والبَحْرُ يمدُّهم، لنفد ما في البحر، ولم تنفدْ كلماتُ ربِّي {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ} أي بمثل ماء البحر في كثرته.
قوله: {مََدداً} نظيره قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} [لقمان: ٢٧] .
واستدلُّوا بهذه الآية على أنَّها صريحةٌ في إثباتِ كلماتٍ كثيرة لله تعالى.
قال ابن الخطيب: وأصحابنا حملوا الكلماتِ على متعلِّقات علم الله تعالى.
قال الجبائيُّ: وأيضاً قوله: {قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} يدلُّ على أنَّ كلمات الله تعالى، قد تنفدُ في الجملة، وما ثبت عدمهُ، امتنع قدمهُ.
وأيضاً قال: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} .
وهذا يدلُّ على أنه تعالى قادر على أن يجيء بمثل كلامه، والذي يجيءُ به يكون محدثاً، والذي يكون المحدثُ كلامهُ فهو أيضاً محْدَثٌ.
فالجوابُ: بأنَّ المراد به الألفاظ الدَّالَّة على تعلُّقات تلك الصِّفاتِ الأزليَّة.
ولمَّا بيَّن تعالى تمام كلامه أمر محمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأن يسلك طريقة التَّواضع، فقال: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ} .