للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: آتيناهُ رحمةً من عندنا، وتحنُّناً على العبادِ؛ ليدعوهم إلى طاعة ربِّهم، وعملاً صالحاً في إخلاص.

وقال الكلبيُّ: صدقة تصدَّق الله بها على أبويه، وقيل: زكَّيناه بحُسْن الثَّناء، أي كما يزكِّي الشهودُ الإنسان. وهذه الآيةُ تدلُّ على أن فعل العبد خلقٌ لله تعالى لأنه جعل طهارتهُ وزكاتهُ من الله تعالى، وحملهُ على الألطاف بعيدٌ؛ لأنَّه عدولٌ عن الظَّاهرِ.

قوله: {وَكَانَ تَقِيّاً} مُخْلِصاً مُطِيعاً، والتَّقيُّ: هو الذي يتقي ما نهى الله عنه [فيجتنبه] ، ويتقي مخالفة أمر الله، فلا يهمله، وأولى النَّاس بهذا الوصف من لم يعْصِ الله، ولا همَّ بمعصيةٍ، وكان يحيى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كذلك.

فإن قيل: ما معنى قوله {وَكَانَ تَقِيّاً} وهذا حين ابتداء تكليفه.

فالجوابُ: إنَّما خاطب الله تعالى الرسُول بذلك وأخبر عن حاله حيث كان كما أخبر عن نعم الله تعالى عليه.

قوله: «وبَرًّا» : يجوز أن يكون نسقاً على خبر «كان» أي: كان تقيًّا برًّا. ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدَّر، أي: وجعلناه برًّا، وقرأ الحسن «بِرًّا» بكسر الباء في الموضعين، وتأويله واضحٌ، كقوله: {ولكن البر مَنْ آمَنَ} [البقرة: ١٧٧] وتقدَّم تأويله، و «بِوالِدَيْهَ» متعلقٌ ب «بَرًّا» .

و «عَصِيًّا» يجوز أن يكون وزنه «فَعُولاً» والأصل: «عَصُويٌ» ففعل فيه ما يفعل في نظائره، و «فَعُولٌ» للمبالغة ك «صَبُور» ويجوز أن يكون وزنه فعيلاً، وهو للمبالغة أيضاً.

فصل في معنى الآية

قوله: {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ} أي: بارًّا لطيفاً بهما محسناً إليهما، «ولمْ يكُن جبَّاراً عصيًّا» .

الجبَّار المتكبِّر.

وقال سفيان: الجبَّار الذي يضرب ويقتل على الغضب؛ لقوله تعالى: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس إِن تُرِيدُ إِلَاّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض} [القصص: ١٩] ؛ ولقوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: ١٣٠] والجبَّارُ أيضاً: القهار، قال تعالى {العزيز الجبار} [الحشر: ٢٣] .

والعَصِيُّ: العاصِي، والمراد: وصفة بالتواضع، ولين الجانب، وذلك من صفات المؤمنين؛ كقوله تعالى: {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: ٨٨] وقوله تعالى: {وَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>