الأول: أن يكون الحنانُ من الله تعالى ل «يحيى» ، والمعنى: وآتيناه الحكم صبيًّا حناناً [منَّا] عليه، أي: رحمة عليه، «وزكَاةً» أي: وتزكيةً، وتشريفاً له.
والثاني: أن يكون الحنانُ من الله تعالى لزكريَّا، والمعنى: أنا استجبنا لزكريَّا دعوته بأن أعطيناه ولداً ثم آتيناه الحكم صبيًّا وحناناً من لدُنَّا على زكريا فعلنا ذلك «وزَكَاةً» أي: تزكيةُ له عن أن يصير مردود الدُّعاء.
الثالث: أن يكُون الحنانُ من الله تعالى لأمَّة يحيى - عليه السلام - والمعنى: آتيناه الحكم صبيًّا حناناً على أمَّته؛ لعظيم انتفاعهم بهدايته وإرشاده.
وإن جعلناه صفةً ليحيى - عليه السلام - ففيه وجوهٌ:
الأول: آتيناهُ الحكم والحنان على عبادنا، أي والتعطُّف عليهم وحسن النَّظر لهم، كما وصف محمَّداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقوله:
{حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ
بالمؤمنين
رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران: ١٥٩] وقوله: «وزَكَاةً» أي: شفقةً، ليست داعيةً إلى الإخلال بالواجب؛ لأنَّ الرأفة واللِّين ربَّما أورثا ترك الواجب؛ ألا ترى إلى قوله: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} [النور: ٢] وقال: {قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: ١٢٣] وقال: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاائم} [المائدة: ٥٤] .
والمعنى: أنَّا جمعنا له التعطُّف على عباد الله، مع الطَّهارة عن الإخلال بالواجبات، ويحتمل أنَّا آتيناه التعطُّف على الخلق، والطَّهارة [عن المعاصي] ، فلم يَعْص، ولم يَهُمَّ بمعصية.
الثاني: قال عطاءُ بنُ أبي رباحٍ: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا} : تعظيماً من لدنا.
والمعنى: آتيناهُ الحكم صبيًّا؛ تعظيماً إذ جعلناه نبيًّا وهو صبيٌّ، ولا تعظيم أكثر من هذا؛ ويدلُّ عليه ما رُوِيَ أنَّ ورقة بن نوفل مرَّ على بلالٍ، وهو يعذب، قد ألصقَ ظهرهُ برمضاء البطحاء، وهو يقول: أحدٌ، أحدٌ، فقال: والذي نفسي بيده، لئنْ قتلْتُمُوه، لاتَّخذنَّهُ حناناً، أي: مُعَظَّماً.
قوله: «مِنْ لَدُنَّا» صفةٌ له.
قوله: «وَزَكاةً» . قال ابن عباس: هي الطَّاعة، والإخلاص.
وقال قتادةُ والضحاك: هو العملُ الصَّالح.