للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومن قال: المنادي هو جبريلُ - صلوات الله عليه - قال: إنه أرسل إليها؛ ليناديها بهذه الكلمات؛ كما أرسل إليها في أوَّل الأمْر؛ تذكيراً للبشارات المتقدمة.

قوله: «ألَاّ تَحْزَنِي» يجوز في «أنْ» أن تكون مفسرةً؛ لتقدُّمها ما هو بمعنى القول، و «لا» على هذا: ناهيةٌ، حذف النون للجزم؛ وأن تكون الناصبة، و «لا» حينئذٍ نافيةٌ، وحذفُ النُّون للنَّصْب، ومحلُّ «أنْ» إمَّا نصب، أو جرٌّ؛ لأنها على حذفِ حرفِ الجرِّ، أي: فَنَادَاهَا بكذا، والضميرُ في «تحتها» : إمَّا لمريم - صلوات الله عليها - وإمَّا للنَّخلة، والأول أولى؛ لتوافق الضميرين.

قوله تعالى: [ «سَرِيًّا» ] يجوز أن يكون مفعولاً أوَّل، و «تَحْتك» مفعولٌ ثان؛ لأنها بمعنى صيَّر «ويجوز أن تكون بمعنى» خلق «فتكون» تَحْتَكِ «لغواً.

والسَّرِيُّ: فيه قولان:

أحدهما: إنه الرَّجُلُ المرتفع القدر، من» سَرُوَ يَسْرُو «ك» شَرُفَ، يَشْرَفُ «فهو سريٌّ، وأصله سَرِيوٌ؛ فأعلَّ سيِّدٍ، فلامهُ واوٌ، والمراد به في الآية عيسى ابنُ مريم - صلوات الله عيله -، ويجمعُ» سريٌّ «على» سراة «بفتح السين، وسُرَواء؛ كظرفاء، وهما جمعان شاذَّان، بل قياسُ جمعه» أسْرِيَاء «كغَنِيِّ، وأغنياء، وقيل: السَّرِيُّ: من» سَرَوْتُ الثَّوبَ «أي: نزعتهُ، وسروتُ الجُلَّ عن الفرس، أي: نزعتهُ؛ كأنَّ السريَّ سرى ثوبه؛ بخلاف المُدَّثِّر، والمُتزمِّل، قاله الراغب.

والثاني: أنه النَّهْر الصغير، ويناسبه» فكُلِي واشْرَبِي «واستقاقه من» سَرَى، يَسْرِي «لأن الماء يَسْري فيه، فلامه عهلىىهذا ياء؛ وأنشدوا للبيدٍ: [الرجز]

٣٥٨٨ - فَتَوسَّطَا عُرْضَ السَّريِّ فصَدَّعا ... مَسْجُورةً مُتَجَاوِزاً قُلَاّمُهَا

فصل

قال الحسن، وابن زيدٍ: السَّريُّ هو عيسى، والسَّريُّ: هو النَّبيلُ الجليلُ.

يقال: فلانٌ من سرواتِ قومه، أي: من أشرافهم، وروي أن الحسن رجع عنه.

وروي عن قتادة وغيره: أن الحسن تلا هذه الآية وإلى جنبه حُمَيْد بن عبد الرَّحمن الحَميريُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} .

فقال: إن كان لسربًّا، وإن كان لكريماً، فقال له حميدٌ: يا أبا سعيد، إنما هو

<<  <  ج: ص:  >  >>