أحدهما: أن يكون «راغبٌ» مبتدأ؛ لاعتماده على همزةِ الاستفهام، و «أنْتَ» فاعلٌ سدَّ مسدَّ الخبر.
والثاني: أنه خبر مقدمٌ، و «أنْتَ» مبتدأ مؤخَّر، ورُجِّح الأول بوجهين:
أحدهما: أنه ليس فيه تقديمٌ، ولا تأخير؛ إذ رتبهُ الفاعل التأخير عن رافعه.
والثاني: أنه لا يلزمُ منه الفصلُ بين العامل ومعموله بما ليس معمولاً للعامل؛ وذلك أنَّ «عَنْ آلهتي» متعلقٌ ب «رَاغِبٌ» فإذا جعل «أنْتَ» فاعلاً قد فُصِل بما هو كالجزء من العامل؛ بخلاف جعله خبراً؛ فإنه أجنبيٌّ؛ إذ ليس معمولاً ل «راغبٌ» .
فصل فيما قابل به آزر دعوة إبراهيم
اعلم أنَّ إبراهيم - صلوات الله عليه - لمَّا دعا أباهُ إلى التوحيد، وذكر الدَّلالة على فساد عبادة الأوثان، وأردف ذلك بالوعظ البليغِ، مقروناً باللُّطف والرِّفْق قابله أبُوه بجواب [مضاد] لذلك، فقابل حُجَّته بالتَّقليد بقوله:{أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي} فأصرَّ على ادعاء إلهيتها جهلاً وتقليداً، وقابل وعظهُ بالسَّفاهة؛ حيثُ هدَّده بالضَّرْب والشَّتْم، وقابل رفقه في قوله «يا أبَتِ» بالعنف، فلم يَقُلْ له: يا بنيَّ، بل قال له: يا إبراهيمُ، وإنَّما حكى الله تبارك وتعالى ذلك لمحمَّدٍ - صلواتُ الله وسلامه عليه - تخفيفاً على قلبه ما كان يصلُ إليه من أذى المشركين، ويعلمُ أنَّ الجُهَّال منذُ كانوا على هذه السِّيرة المذمومة، ثم قال:{لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ} .