وقيل: لا يقال في الأم: والدة بالتاء، وإنما قيل فيها وفي الأب: والدان تغليباً للذكر.
و «الإحسان» : الإنعام على الغير.
وقيل: بل هو أعم من الإنعام.
وقيل: هو النَّافع لكل شيء.
فصل في وجوه ذكر البر بالوالدين مع عبادة الله
قال ابن الخَطِيْبِ: إنما أراد عبادة الله بالإحْسَان إلى الوالدين لوجوه:
أحدها: أن نعمة الله على العَبْدِ أعظم النعم، فلا بد من تقديم شكره على شُكْرِ غيره، ثم بعد نعمة الله فنعمة الوالدين أعظم النّعم؛ لأن الوالدين هما الأصل في وجود الولد، ومنعمان عليه بالتربية، فإنعامهما أعظم والإنْعَام بعد إنعام الله تعالى.
وثانيها: أن الله سبحانه وتعالى المؤثر في وجود الإنْسَان في الحقيقة، والوالدان مؤثران في وجوده بحسب العُرْفِ الظاهر، فلأنه المؤثر الحقيقي أردفه بذكر المؤثر بحسب العرف الظَّاهر.
وثالثها: أن الله سبحانه وتعالى لا يطلب على إنعامه على العبد عوضاً ألبتَّة، وإنعام الوالدين كذلك، فإنهما لا يطلبان على الإنعام على الولد عوضاً.
ورابعها: أن الله لا يملّ من الإنعام على العبد، ولو أتى العبد بأعظم الجرائم، فإنه لا يقطع عنه مواد نعمه، وكذلك الوالدان لا يملَاّن الولد ولا يقعطان عنه موادتهما وإن كان الولد مسيئاً إلى الوالدين.
وخامسها: كما أن الوالد المشفق يتصرّف في مال ولده بالاسْتِرْبَاح، وطلب الزيادة ويصونه عن البخس والنقصان، فكذلك الحقّ سبحانه وتعالى يتصرف في طاعة العبد، فيصونها عن الضياع ويضاعفها كما قال: {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} [البقرة: ٢٦١] .
فلما تشابها من هذه الحيثيات كانت نعم الوالدين قليلة بالنسبة إلى نِعَمِ الله تعالى، [بل النعم كلها من الله تعالى فلا] جَرَمَ ذكر الإحسان إلى الوالدين عقب ذكر عبادة الله تعالى.
فصل في وجوب تعظيم الوالدين وإن كانا كافرين
اتفق أكثر العلماء على أنه يجب تعظيم الوالدين وإن كانا كافرين لقوله في هذه الآية: «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» بغير تقييد بكونهما مؤمنين أم لا، وقد ثبت في أصول الفقه أن