وليس هذا مختص بالإنسان بل عام في جميع الحيوان، فأعطى الإنسان إنسانةً، والحمار حمارةً، والبعير ناقةً هداه لها ليدوم التناسل، وهدى الأولاد لثدي الأمهات، بل هذا غيب مختص بالحيوانات، بل هو حاصل في أعضائها، فخلق اليد على تركيب خاص، وأودع فيها قوة الأخذ، وخلق الرِّجل على تركيب خاص، فخلق اليد على تركيب خاص، وأودع فيه قوة الأخذ، وخلق الرَّجل على تركيب خاص، وأودع فيها قوَّة المشي، وكذا العين، والأذن، وجميع الأعضاء، ثم ربط البعض بالبعض على وجه يحصل من ارتباطها مجموع واحد هو الإنسان.
وإنما دلت هذه الأشياء على وجود الصانع، لأن اتصاف كلِّ جسمٍ من هذه الأجسام بتلك الصفة أعني التركيب والقوة الهادية إما أن يكون واجباً أو جائزاً، والأول باطل لأنا نشاهد تلك الأجسام بعد الموت منفكة عن ذلك التركيب والقوى، فدل على أن ذلك جائز، والجائز لا بد له من مرجِّح، وليس ذلك المرجِّح هو الإنسان، ولا قواه، لأنَّ فعل ذلك يستدعي قدرةً عليه، وعلماً بما فيه من المصالح والمفاسد، والأمران نائيان عن الإنسان، لأنه بعد كمال عقله يعجز عن تغيير شعرة واحدة، وبعد البحث الشديد عن كتب التشريح لا يعرف من منافع الأعضاء ومصالحها إلا القدر القليل؛ فلا بد وأن يكون المتولي لتدبيرها وترتيبها موجوداً آخر، وذلك الموجود لا يجوز أن يكون جسماً، لأن الأجسام متساوية في الجسمية، واختصاص ذلك الجسم بتلك المؤثرية لا بد وأن يكون جائزاً فيفتقر إلى سبب آخر، والدور والتسلسل محالان، فلا بد من الانتهاء في سلسلة الحاجة إلى مدبر ليس بجسم ولا جسماني، ثم تأثير ذلك المؤثر إما أن يكون بالذات أو بالاختيار، والأول محال لأن الموجب لا يميز مثلاً عن مثل، وهذه الأجسام متساوية في الجسمية فَلِمَ اختص بعضها بالصورة الفلكية وبعضها بالصورة العنصرية وبعضها بالنباتية، وبعضها بالحيوانية؟
فثبت أن المؤثر والمدبر قادر، والقادر لا يمكنه مثل هذه الأفعال العجيبة إلا إذا كان عالماً، ثم إن هذا المدبر الذي ليس بجسم ولا جسماني ولا بد وأن يكون واجب الوجود في ذاته وصفاته، وإلا لافتقر إلى مدبر آخر، ولزم التسلسل، وهو محال، وإن كان واجب الوجود في قادريته وعالميتهن والواجب لذاته لا يتخصص ببعض