ألقوا حبالهم للكفر والحجود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين. روي أنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة، والنار، ورأوا ثواب أهلها، وعن عكرمة: لما خروا سُجَّداً أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة.
قال القاضي: هذا بعيد، لأنهم لو أراهم عياناً لصاروا ملجئين، وذلك لا يليق به قولهم:{إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا}[طه: ٧٣] .
وأجيب: أنه لما جاز لإبراهيم مع قطعه بكونه مغفوراً له أن يقول: {والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي}[الشعراء: ٨٢] فلم لا يجوز في حق السحرة؟
قوله:{آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} احتج التعليمية بهذه الآية وقالوا: إنَّهم آمَنُوا بالله الذي عرفوه من قِبَل هارون وموسى، وفي الآية فائدتان:
الفائدة الأولى: أنَّ فرعون ادَّعى الربوبية في قوله: «أَنَا رَبُّكُمْ» . والإلهية في قوله:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي}[القصص: ٣٨] فلو قالوا: آمَنَّا بربِّ العالمين، لكان فرعون يقول: إنهم آمنوا بي لا بغيري، فلقطع هذه التهمة اختاروا هذه العبارة، ويدل عليه تقديمهم ذكر هارون على مُوسى، لأن فرعون كان يدعي ربوبية موسى (بناء على أنه ربَّاه) ، وقال:{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً}[الشعراء: ١٨] فالقوم لما احترزوا على إيهامات (فرعون قدموا ذكر هارون على موسى قطعاً لهذا الخيال.
الفائدة الثالثة: هي أنهم لما شاهدوا) ما خصهما الله تعالى به من المعجزات