إنَّ الله تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن فمسلم لكن هذا إنما ينفع لو ثبت أن صاحب الكبيرة مؤمن، ومذهب المعتزلة أنه ليس بمؤمن، فهذا المعترض كأنه بنى هذا الاعتراض على مذهب نفسه وذلك ساقط. وقوله ثانياً: إنه لا يليق بصاحب الكبيرة (أن يقال في حقه) : إِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى. قلنا: لا نسلم فإنَّ عذاب جهنَّم في غاية الشدة قال تعالى: {رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}[آل عمران: ١٩٢] وأما الحديث فقالوا: القرآن بخبر الواحد، ويمكن أن يقال: ثبت في أصول الفقه أنه يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد، وللخصم أن يجيب بأن ذلك يفيد الظن فيجوز الرجوع إليه في العمليات، وهذه المسألة ليست من العمليات بل من الاعتقادات، فلا يجوز الرجوع إليها ههنا.
واعترض آخر فقال: أجمعنا على أن هذه المسألة مشروطة بنفي التوبة وبأن لا يكون عقابه محبطاً بثواب طاعته، والقدر المشترك بين الصورتين هو أن لا يوجد ما يحبط ذلك العقاب، لكن عندنا العفو مُحْبِطٌ للعقاب، وعندنا أنَّ المجرم الذي لا يوجد في حقه العفو لا بد وأن يدخل جهنم.
قال ابن الخطيب: وهذا الاعتراض أيضاً ضعيف. أمَّا شَرْطُ نفي التوبة فلا حاجة إليه، لأنه قال:{مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} ، لأن المجرم اسم ذم، فلا يجوز إطلاقه على صاحب الصغيرة، بل الاعتراض الصحيح أن يقول: عموم هذا الوعيد معارض بما جاء بعده من عموم الوعد، وهو قوله تعالى:{وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصالحات فأولئك لَهُمُ الدرجات العلى} ، وكلامنا فيمن أتى بالإيمان (والأعمال الصالحة) ثم أتى بعد ذلك ببعض الكبائر.
فإن قيل: عقاب المعصية يحبط ثواب الطاعة. قلنا: لِمَ لا يجوز