فيهم لقاتلتهم على كفرهم، وقيل:{أَلَاّ تَتَّبِعَنِ} أي: ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالهم فتكون مفارقتك إياهُم زَجْراً لهم عما أتوا {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} .
فصل
تمسك الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجوه:
أحدها: أنَّ موسى - عليه السلام - إما أن يكون قد أمر هارون باتباعه أو موسى لهارون معصيةً وذنباً، لأن ملامة غير المجرم معصية.
وإن لم يتبعه كان هارون تاركاً للواجب فكان فاعلاً للمعصية، وإن قلنا: إن موسى ما أمره باتباعه كانت ملامته إيَّاه بترك الاتباع معصية، وعلى جميع التقديرات يلزم إسناد المعصية إما إلى موسى أو إلى هارون.
وثانيها: قول موسى {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} استفهام على سبيل الإنكار، فوجب أن يكون هارون قد عصاه، وأن يكون ذلك العصيان منكراً، وإلا كان موسى كاذباً، وهو معصية، وإذا فعل هارون لك فقد فعل المعصية.
ثالثها: قوله: {ياابنأم لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}[طه: ٩٤] وهذا معصية، لأن هارون - عليه السلام - قد فعل ما قدر عليه، فكان الأخذ بلحيته وبرأسه معصية، وإن فعل ذلك قبل تعرف الحال كان ذلك معصية.
ورابعها: أن هارون قال: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}[طه: ٩٤] ، فإن كان الأخذ بلحيته ورأسه جائزاً كان قول هارون «لَا تَأْخُذْ» منعاً له أن يفعله، فيكون ذلك القول معصية. وإن لم يكن ذلك الأخذ جائزاً كان موسى - عليه السلام - فاعلاً للمعصية.