للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ولم يتخلف أحد غيره، فقال: {وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} فسمع رجل منهم هذا القول، فحفظه عيله، ثم أخبر به غيره، وانتشر ذلك في جماعة، فلذلك قال تعالى: {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} ، ثم إن إبراهيم - عليه السلام - دخل بيت الأصنام فوجد سبعين صنماً مصطفة، وعند الباب صنم عظيم من ذهب مستقبل الباب وفي عينه جوهرتان تضيئان بالليل، فكسرها كلها بفاس في يده حتى لم يبق إلَاّ الكبير علق الفأس في عنقه.

فإن قيل: أولئك الأقوام إمَّا أنْ يكونوا عقلاء أو لم يكونوا عقلاء، فإن كانوا عقلاء وجب أن يكونوا عالمين بالضرورة أنَّ تلك الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضرّ، فأي حاجة في إثبات ذلك إلى كسرها؟ أقصى ما في الباب أن يقال: القوم كانوا يعظمونها كما يعظم الواحد منا المصحف والمسجد والمحراب وكسرها لا يقدح في تعظيمها من هذا الوجه.

وإن لم يكونوا عقلاء لم يحسن مناظرتهم ولا بعثة الرسل إليهم.

فالجواب: أنهم كانوا عقلاء وكانول عالمين بالضرورة أنها جمادات، ولكن لعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تماثيل للكواكب، وأنها طلمسات موضوعة، بحيث إنَّ كل من عبدها انتفع، وكل من استخف بها ناله منها ضرر شديد، ثم إنَّ إبراهيم - عليه السلام - كسرها ولم ينله منها ضرر ألبتة، فكان فعله دالاً على فساد مذهبهم. قوله {مَن فَعَلَ هذا} يجوز في «مَنْ» أن تكون استفهامية وهو الظاهر، فعلى هذا تكون الجملة من قوله: {إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} استئنافاً لا محل لها من الإعراب. ويجوز أن تكون موصولة بمعنى (الَّذِي) ، وعلى هذا فالجملة من «إنَّهُ» في محل رفع خبراً للموصول، والتقدير: الذي فعل في الظلمة إما لجرأته على الآلهة الحقيقة بالتوقير والإعظام، وإما لأنهم رأوا إفراطاً في كسرها، وتمادياً في الاستهانة بها.

قوله: «يَذْكُرُهُمْ» . في هذه الجملة أوجه:

أحدها: أن «سمع» هنا يتعدى لاثنين، لأنها متعلقة بعين، فيكون «فَتًى» مفعولاً أولاً و «يَذْكُرُهُمْ» هذه الجملة في محل نصب مفعول ثانياً، ألا ترى أنك لو قلت: سَمِعْتُ زَيْداً، وسَكَّتَ لم يكن كلاماً بخلاف: سمعت قراءته وحديثه.

<<  <  ج: ص:  >  >>