للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلَاّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي} [إبراهيم: ٢٢] فالواجب تصديق خبر الله - تعالى - دون الرجوع إلى وهب بن منبه. وهذا اعتراض ضعيف، لأن المذكور في الحكاية أنَّ الشيطان نفخ في منخره فوقعت الحكة فيه. فلم قلتم: إنَّ القادر على النفخة التي تولد منها هذه الحكة لا بدَّ وأن يكون قادراً على خلق الأجسام، وهذا إلا محض التحكم. وأما التمسك بالنصّ فضعيف، لأنه إنَّما يقدم على الفعل مع علمه أنهل وأقدم عليه لما منعه الله تعالى. وهذه الحالة لم تحصل إلا في حق أيوب - عليه السلام - من أنه استأذن الله فأذن له، وإن كان كذلك لم يكن بين ذلك النص وبين هذه الحكاية مناقضة.

وثانيها: قالوا: ما روي أنه - عليه السلام - لم يسأل إلا عند أمور مخصوصة. فبعيد، لأنّ الثابت في العقل أنه يحسن من المرء أن يسأل ذلك ربه ويفزع إليه كما يحسن منه المداواة، وإذا جاز أن يسأل ربه عند الغم بما يراه من أهله جاز أيضاً أن يسأل ربه من قبل نفسه. فإن قيل: أفلا يجوزون أنه تعالى تعبده بأن لا يسأل الكشف إلا في آخر أمره. قلنا: يجوز ذلك بأن يعلمه أن إنزال ذلك بعد مدة مخصوصة من مصالحه ومصالح غيره لا محالة، فعلم عليه السلام أنه لا وجه للمسألة في هذا الأمر الخاص، فإذا قرب الوقت جاز أن يسأل ذلك من حيث يجوز أن يدومم ويجوز أن ينقطع.

وثالثها: قالوا: انتهاء ذلك المرض إلى حد التنفير غير جائز على الأنبياء.

فصل

اعلم أنه - عليه السلام - ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب. فإن قيل: أليس أن الشكوى تقدح في كونه صابراً.

فالجواب: قال سفيان بن عيينة: ولو شكى إلى الله فإنه لا يعد ذلك جزعاً إذا كان في شكواه راضياً بقضاء الله إذ ليس من شرطه استحلاء البلاء، ألم تسمع قول يعقوب: {إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله} [يوسف: ٨٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>