وثانيها: قوله: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} وذلك يقتضي كونه شاكاً في قدرة الله.
وثالثها: قوله: {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} والظلم مذموم قال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين}[هود: ١٨] .
ورابعها: أنه لو لم يصدر منه الذنب، فلم عاقبه الله بان ألقاه في البحر في بطن الحوت.
وخامسها: قوله: {فالتقمه الحوت وَهُوَ مُلِيمٌ}[الصافات: ١٤٢] والمليم هو ذو الملامة ومن كان كذلك فهو مذنب.
وسادسها: قوله: {وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الحوت}[القلم: ٤٨] فإن لم يكن صاحب ذنب ولم يجز النهي عن التشبّه به وإن كان مذنباً فهو المطلوب.
وسابعها: قوله: {فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الحوت}[القلم: ٤٨] وقاتل: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم}[الأحقاف: ٣٥] وهذا يقتضي أنّ ذلك الفعل مخرج أن يكون يونس من أولي العزم.
والجواب: أنه ليس في الآية من غاضبة، فلا نقطع على نبي الله بأنه غاضب ربه، لأنّ ذلك صفة من يجهل كون الله مالكاً للأمر والنهي، والجاهل بالله لا يكون مؤمناً فضلاً عن أن يكون نبياً.
وأما ما روى من أنه خرج مغاضباً لأمر يرجع إلى الاستعداد فمما يرتفع حال الأنبياء عنه، لأنّ الله تعالى إذا أمرهم بشيء فلا يجوز أن يخالفوه، لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: ٣٦] وقوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ}[النساء: ٦٥] . فإذا كان في الاستعداد مخالفة لم يجز أن يقع ذلك منهم. وإذا ثبت أنه لا يجوز صرف هذه المغاضبة إلى الله وجب أن يكون المراد أنه خرج مغاضباً لغير الله، والغالب أنه إنما يغاضب من يعصه فيما يامره به، فيحمل على مغاضبة قومه، أو الملك، أو هما جميعاً ومعنى مغاضبته لقومه أنه غاضبهم لمفارقته لخوف حلول العذاب بهم، وقرئ «مغضباً» كما تقدن وأما قولهم: مغاضبة القوم أيضاً محظورة لقوله: {وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الحوت}[القلم: ٤٨] .