{والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}[النازعات: ٣٠] اي: قبله. وقيل: الزبور: زبور داود، والذكر هو ما روي أنه - عليه السلام - قال:«كان الله ولم يكن معه شيء ثم خلق الذكر» قوله: {مِن بَعْدِ الذكر} يجوز أن يتعلق بنفس «الزَّبُور» لأنه بمعنى المزبور، أي: المكتوب، أي: المزبور من بعد. ومفعول «كَتَبْنَا»«أنَّ» وما في حيزها، أي: كتبنا وراثة الصالحين للأرض، اي: حكمنا به قوله: «أنَّ الأَرْضَ» يعني أرض الجنة {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} قال مجاهد: يعني أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويدل عليه قوله تعالى:{وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض}[الزمر: ٧٤] وقال ابن عباس: أراد أراضي الكفار يفتحها المسلمون، وهذا حكم من الله تعالى بإظهار الدين وإعزاز المسلمين.
وقيل: أراد الأرض المقدسة يرثها الصالحون لقوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا}[الأعراف: ١٣٧] .
{إِنَّ فِي هذا} أي: في هذا القرآن يعني ما فيه من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة «لَبَلَاغَاً» وصولاً إلى البغية، فمن اتبع القرآن وعمل به وصل إلى ما يرجو من الثواب. وقيل:«لَبَلَاغَاً» أي: كفاية: والقرآن زاد الجنة كبلاغ المسافر. {لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} أي: مؤمنين. وقال ابن عباس: عالمين. وقال كعب الأحبار: هم أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أهل الصلوات الخمس وشهر رمضان.
وقوله:{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً} يجوز أن ينتصب «رَحْمَةً» مفعولاً له، أي: لأجل الرحمة، ويجوز أن ينتصب على الحال مبالغة في أن جعله نفس الرحمة، وإما على حذف مضاف أي: ذا رحمة، أو بمعنى راحم. وفي الحديث:«يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة» .
قوله:«لِلْعَالَمِينَ» يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «رَحْمَةً» أي: كائنة