وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس: يدفع الله بالمحسن عن المسيء، وبالذي يصلي عن الذي لا يصلي، وبالذي يتصدق عن الذي لا يتصدق، وبالذي يحج عن الذي لا يحج.
وعن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِالمُسْلِمِ الصَّالِحِ عَنْ مِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بيْتِهِ وَمِنْ جِيْرَانِهِ» ثم تلا هذه الآية. وقال الضحاك: يدفع بدين الإسلام وبأهله عن أهل الذمة. وقال مجاهد: يدفع عن الحقوق بالشهود، وعن النفوس بالقصاص. فإن قيل: لماذا جمع الله بين مواضع عبادات اليهود والنصارى وبين مواضع عبادة المسلمين؟ فالجواب أما على قول الحسن: فالمراد بهذه المواضع أجمع مواضع المؤمنين وإن اختلفت العبارات عنها. وأما على قول غيره فقال الزجاج: المعنى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شرع كل نبي المكان الذي يتعبد فيه، فلولا الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كانوا يصلون فيها في شرعه، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن نبينا المساجد.
فعلى هذا إنما دفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف وقبل النسخ. فإن قيل: كيف تهدم الصلوات على تأويل من تأوله على صلاة المسلمين؟ فالجواب من وجوه:
الأول: المراد من هدم الصلاة إبطالها وإهلاك من يفعلها كقولهم هدم فلان إحسان فلان، إذا قابله بالكفر دون الشكر.
الثاني: ما تقدم من باب حذف المضاف كقوله: «واسْأَلِ القَرْيَة» أي أهلها، فالمراد مكان الصلاة.
الثالث: لما كان الأغلب فيما ذكر ما يصح أن يهدم جاز ضم ما لا يصح أن يهدم إليه كقولهم: متقلداً سيفاً ورمحاً. وإن كان الرمح لا يتقلد. فإن قيل: لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد؟
فالجواب لأنها أقدم في الوجود. وقيل أخر المساجد في الذكر كما في قوله:{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات}[فاطر: ٣٢] . قال عليه السلام:«نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُون» .